Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka

Mahmud Mahmud d. 1450 AH
53

Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Noocyada

وقد تجاوز الرومان بصورة أوضح عما فعل أي شعب قديم آخر مرحلة تحوير قوانينهم مع الزعم بأنهم لا يقومون بأي تحوير. وعندما حل العصر الإمبريالي كان القانون الروماني في الواقع مجموعة من القواعد المذهبية المعقدة اعترف المشرعون أنفسهم أن لها مصادر متعددة، أساسها قوانين الجمهورية، معدلة باللوائح، وأحكام القضاة، وتفسير الخبراء الباحثين، والقرارات الإمبراطورية - أو المراسيم - منذ عهد أغسطس. تغير القانون بشكل واضح، وكان لا يزال يتغير. وأدرك الناس إدراكا تاما ما نستطيع أن نسميه اليوم الأساس الاجتماعي للقانون، تقريبا في الوقت الذي توقف فيه عن النمو القانون الروماني - في صورته الأولى ومداه الأولي. وقد تمت في «الشرق» أعظم صياغة قانونية - وهي التي أنجزت تحت حكم الإمبراطور جستنيان في القرن السادس بعد الميلاد - قبيل حلول العصور المظلمة «بالإمبراطورية الشرقية». أما التطوير الآخر للقانون الروماني، وتطبيقه على الكنيسة المسيحية، وعلى المجتمعات الأوروبية في العصر الوسيط والعصر الحديث، فقصة أخرى.

لقد جعل الرومان أولا القانون شيئا حيا ناميا، يطبقه رجال القانون عن وعي على المطالب البشرية المتغيرة. وكذلك يرجع إليهم الفضل في عمل آخر يتصل بهذا الصدد. لم يكن القانون عند الشعوب الأولى، عند اليهود على سبيل المثال، مجرد مجموعة من القواعد السماوية، كاملة لا تتغير، إنما كان مجموعة من هذه القواعد التي وضعت لهم دون غيرهم؛ فليس لأحد غير اليهودي أن يطيع الشريعة الموسوية. ولا يحاكم طبقا لقانون أثينا إلا الأثيني. وقد رأينا أن الأنبياء اليهود قد ارتفعوا إلى تصور إله - يهوه، وقانون سماوي، يشترك فيه الناس أجمعون. وكذلك استطاع الإغريق من الناحية الفلسفية - حتى عندما بلغت المدينة الحكومية أوجها - أن يتصوروا بشرية تتجاوز التمييز بين الإغريق والبرابرة. أما الرومان - بصفة خاصة - فقد فعلوا شيئا من هذا القبيل لا بالمعنى الفلسفي أو الديني، ولكن بطريقة عملية؛ «ذلك أنهم نقلوا قوانينهم إلى غيرهم من الشعوب».

والظاهر أن روما - تلك المدينة الحكومية الصغيرة القائمة على سبعة تلال على ضفاف التيبر - كانت لها في أول الأمر قوانينها السماوية الخاصة بها وحدها دون سواها. وكانت هذه القوانين امتيازا وملكا للمواطنين الرومان مولدا. ولم يمد الرومان قاعدة المواطنة الرومانية إلا تدريجا. وكان حكامهم - مستعينين في حذر بمجلس الشيوخ - يمنحون المواطنة الرومانية للأفراد الأجانب الذين يحبون أن يضموهم إلى جانبهم، ثم للمجتمعات، وأخيرا لمساحات أفسح. وفي وقت مبكر اخترعوا نوعا من المواطنة الوسط، وهي اللاتينية، التي كان صاحبها يشترك في الامتيازات التجارية النافعة وما إليها، ولا يشترك في الامتيازات الشخصية، والسياسية، وشبه الدينية، التي يتمتع بها المواطن الروماني الكامل. وفي الفترة التي تقع بين عام 500ق.م وعام 100ق.م، التي كان يتشكل فيها الرومان قطعا، فلم يكن ذلك كله يتم طبقا لنظرية مقصودة تستهدف توسيع رقعة السيادة السياسية، أو على غرار طريقة الأمريكان في اكتساب المواطنة بالتجنس - بمنح الجنسية الرومانية قصدا.

وقد وسع من المواطنة الرومانية، ومن الحكم الروماني عامة، رجال أعمال حاولوا أن ينجزوا أمورهم بتخفيف التوتر، والشد والجذب، بين شعوب كثيرة. ولما حل الوقت الذي واجهت فيه روما المنازعات الدولية في السنوات القليلة الأخيرة قبل الميلاد، كان لديها ما لم يكن لدى أية مدينة حكومية إغريقية، رقعة أرضية ممتدة، حكمها فيها مقبول، وقانونها فيها سائد. ويدل على بطء عملية التوحيد السياسي هذه أنه، حتى في عام 90 قبل الميلاد - وهو وقت متأخر - ثار على روما حلفاؤها الإيطاليون، لأسباب لا تختلف كثيرا عن الأسباب التي ثار من أجلها حلفاء أثينا عليها في القرن الخامس. وقد هزمت روما الثوار في الميدان - ثم أعطتهم ما يريدون؛ المواطنة الرومانية الكاملة. وفي النهاية أصبح كل الأحرار مولدا، كما أصبحت كل الشعوب المختلطة من بريطانيا إلى سوريا، مواطنين رومانيين تحت حكم الإمبراطور كراكلا. وبالرغم من أن الرومان كان لديهم قانون متقدم للحكم بالنيابة ، إلا أنهم لم يفيدوا قط من هذا القانون من الناحية السياسية، ولم تكن لديهم مجالس تمثيلية؛ إذ كان لا بد للمواطن الروماني من أن يقطن روما لكي يكون له حق التصويت. ومن الطبيعي أن تحكم الدولة الرومانية العالمية بواسطة الإمبراطور، والبيروقراطية، والجيش. والواقع أن المواطنة في عهد كراكلا لم تعن إلا القليل من الناحية السياسية.

وما زلنا بحاجة إلى قاعدة عامة أخرى بشأن القانون الروماني. لقد وصفنا هذا القانون بأنه شيء تام، وأنه لم يكن ثمرة للتفكير المجرد، وإنما كان ثمرة للحاجات العملية لشعب لم يتجه كثيرا نحو التفكير المجرد. وما ينبغي لنا - برغم ذلك - أن نحسب أن القانون الروماني هو من إنتاج قوم غير مفكرين، انتهازيين يغتنمون الفرص، رجال معادين للمنطق، فخورين بالمسير العشوائي. إنما كان القانون الروماني - على نقيض ذلك بشكل واضح - ثمرة أجيال من التفكير المنطقي الصارم. وأهم من ذلك أن رجال القانون لم تغب عنهم قط فكرة المثل الأعلى، وفكرة القانون «كما ينبغي أن يكون» - وأعني بإيجاز فكرة العدالة، وهي (بالإفرنجية) لفظة لاتينية، ولكنهم لم يستطيعوا في العالم الروماني المعقد الذي جاء في عهد متأخر أن يحتفظوا بالعقيدة الساذجة القديمة بأن الآلهة قد أوحوا مباشرة بقانون العدالة. ولما كانوا قوما عمليين، معقولين، تعودوا حمل المسئولية، فقد كان لا بد لهم من الإيمان بالعدالة. ولم يكن بوسعهم أن ينظروا إلى العدالة كفكرة نبيلة، ولكنها فكرة مجردة غير واقعية، أو أن المرء يستطيع أن ينصرف عنها، أو أن الحق هو القوة. إن ما فعلوه هو أنهم وضعوا الطبيعة مكان الآلهة. اخترعوا فكرة «القانون الطبيعي» التي لعبت دورا هاما في كل ما جاء بعد ذلك من تفكير سياسي.

والقانون الطبيعي بهذا المعنى ليس وصفا عاما لما يجري فعلا في هذه الدنيا الطبيعية، دنيا خبرتنا الحسية. وهو ليس قانونا طبيعيا بمعنى أن قانون الجاذبية قانون طبيعي . إنما هو تحديد ووصف للعالم «كما ينبغي أن يكون». ومع ذلك فإن لفظة «ناتورا» (أو الطبيعة) باللاتينية، ومقابلتها «الفيزيقا» بالإغريقية، تحمل بالتأكيد الدلالة على الموجود، على ما يكون في الزمان والمكان، على «هذه» الدنيا. وربما كان من بين الأسباب الكبرى لنجاح فكرة القانون الطبيعي هو أنها، وإن كانت في الواقع فكرة من العالم الآخر، فكرة مثالية، إلا أنها تشير إلى هذه الدنيا في ثبات يجعلها فكرة عملية، وليست فكرة خيالية قط. إن الطبيعي ليس طيبا فحسب، إنما هو ممكن جدا أيضا.

وقد تسربت إلى المعنى الخاص للقانون الطبيعي كما تطور في العالم الإغريقي الروماني اتجاهات فكرية وتجريبية مختلفة متعددة، وكانت الفكرة الكلاسيكية الناضجة عن القانون الطبيعي - بشكل ما - إحدى النواحي الناجحة التي امتزج فيها التفكير الإغريقي بالتفكير الروماني.

وأبسط هذه الاتجاهات الفكرية ما اتجه إليه المشتغلون بالقانون في روما، وقد رأينا أن الدولة الرومانية مدت حق المواطنة - أو جزءا من هذا الحق - في وقت مبكر إلى أفراد وجماعات متعددة. وبقيت بعض هذه الجماعات - مع ذلك - أجنبية في الواقع وإن كانت محالفة، وسرعان ما تولدت عن التعامل التجاري بين هؤلاء الأفراد ذوي الأوضاع المختلفة مشكلات عرضت للحكم فيها أمام المحاكم الرومانية، ولم يستطع رجال القانون تطبيق القانون الروماني تطبيقا كاملا، ذلك القانون الذي كان لا يزال حقا، أو احتكارا شبه ديني، للمواطنين الرومان الخالصين وبيد أن المتخاصمين - وقد يكون أحدهما من نابلي والآخر لاتيني - قد نشآ في ظل قانونين مختلفين. فكان ما يفعله القاضي الذي ينظر في أمثال هذه الأمور هو أن يحاول أن يجد حكما عاما، أو نوعا من المضاعف البسيط في كل هذه القوانين والعادات والتقاليد المحلية؛ فالاتفاق التجاري في مكان ما قد يعني مجموعة الصيغ التي يجب تنفيذها، وقد يعني في مكان آخر مجموعة أخرى من الصيغ مختلفة عنها كل الاختلاف. ولكن ما هو المشترك بين الاتفاقين، وماذا وراءهما كليهما، ما هو الاتفاق الذي يصلح في المكانين معا؟ هذه هي الأسئلة التي وجهها رجال القانون الروماني إلى أنفسهم . وعند الإجابة عنها انتهوا إلى ما أسموه قانون الشعوب، الذي يتميز عن القانون الروماني الصحيح.

وقد انتهوا إلى هذا القانون الدولي العملي، إلى هذه الأحكام للبت في القضايا التي تنشأ بين أفراد من مواطن مختلفة، أو من وحدات سياسية مختلفة، بالموازنة بين القوانين الوطنية، أو المدنية، أو القبلية، القائمة ومحاولة إيجاد المشترك بينها. وفعلوا ذلك بنوع من التفكير ينطوي على التصنيف طبقا لمميزات «مستخلصة» من الكليات الحية المحسوسة التي بدءوا منها. ولم تكن القوانين التي وازنوا بينها شديدة التشابه باعتبارها كليات تخضع للممارسة. وإن كنت على معرفة يسيرة بعلم النبات أدركت أن ما فعلوه يشبه كثيرا ما يفعله العالم بتصنيف النباتات التي يقل بينها التشابه، كالتوت والورد، والتفاح، والأعشاب المتسلقة، أعضاء في الواقع من أسرة واحدة، هذا الضرب من التفكير في التصنيف والتبويب نوع شائع من التفكير، يستخدم على مستويات مختلفة من الإدراك العام إلى العلوم.

وإلى هذا الحد لم يفعل رجال القانون الرومان أكثر من إخراجهم أداة نافعة في البت في القضايا القانونية التي تشتبك في نظم قضائية مختلفة. لم يفعلوا في الواقع أكثر من أنهم مدوا إلى النظم المختلفة ما قاموا به بالنسبة إلى الأحكام القانونية المختلفة المتعارضة داخل نظامهم الخاص. إلا أنهم لم يكن بوسعهم إلا أن يحسوا أن «قانون الشعوب» المستحدث كان أكثر «عالمية» بشكل ما، وأكثر كمالا، وأشد صلاحية لجميع الناس، من النظم المحلية المنفصلة التي بدءوا منها. وهنا تدخل الفلاسفة الإغريق - وبخاصة الرواقيون - ليعاونوهم، ويحولوا قانون الشعوب إلى «القانون الطبيعي».

Bog aan la aqoon