Fikrado iyo Rag: Taariikhda Fikirka Reer Galbeedka
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Noocyada
الثقافة الكلاسيكية
من أشق الأعمال في تاريخ الفكر الوصف الواضح لذلك الشيء المعقد الذي نسميه - على تنوع الأسماء - ثقافة مكان معين ووقت معين، أو روح العصر، أو - إذا استخدمنا اصطلاحا ألمانيا حديثا - «زيتجيست»
Zeitgeist
وهناك فعلا مثل هذا الشيء، هناك انطباع شامل يتكون من عدد ضخم من التفصيلات التي يلائم بعضها بعضا بشكل ما، ويمكن توضيح ذلك - على سبيل المثال - في تعبير سهل الإدراك، بثقافة أواخر القرن الثامن عشر في العالم الغربي، أو ما يعنيه أكثر الأمريكان عندما يتحدثون عن الأساليب «الاستعمارية». إن أزياء الرجال والسيدات، وفن العمارة كما تتمثل في وليامز برج بعد استردادها، والأثاث، وموسيقى موزار وهايدن، وصور جينزبره وكوبلي - كل ذلك، وكثير غير ذلك - ليس في الزمان والمكان إلا الثقافة الغربية في القرن الثامن عشر.
ولقد أخرج الإغريق، وبخاصة إغريق أثينا في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، ثقافة من هذه الثقافات، أو كلا من هذه الكليات التي تتكون من أجزاء عدة، وهي ثقافة ما فتئت تفتن المتعلمين من النساء والرجال، ولقد رأينا من قبل أن الإغريق في الفكر الفلسفي الشكلي وضعوا الأسس التي بنى عليها فلاسفة الغرب، ولم يتجاوزوها قط. غير أن ثقافة الإغريق العظمى كانت تفوق كثيرا الفلسفة الشكلية؛ فقد كانت - على الأقل للأقلية المثقفة - أسلوبا من أساليب العيش.
وإنا لنحكم على هذه الثقافة العظيمة بآثارها - من عمارة، إلى نحت، إلى فنون صغرى، إلى أدب - التي بقيت أكثر من ألفي عام بالرغم مما نالها من إهمال ولحق بها من حروب، ومن أسباب البلى والاختلال من جميع الضروب. ومن الجائز أن أسباب البلى هذه قد عملت على أن تحفظ لنا الأفضل دون الأوسط. ومن ثم فإن ما وصل إلينا من ثقافة الإغريق العظمى يفضل ما يمكن أن يكون مثالا صادقا لها. وربما لم يصل إلينا إلا أفضل الفن الإغريقي، ولم يصل إلينا أسوءه أو المتوسط منه. وربما كان الأمر شبيها بما قد يحدث في عام 4000 بعد الميلاد عندما لا يجد الأثريون إلا تسجيلات عن بعض أعمال باخ وموزار وبراهمز، ولا يجدون أثرا للموسيقى الخفيفة، أو الجاز، أو الأغاني الفردية الخفيفة. إنهم عندئذ لا يستطيعون الحكم على موسيقانا الغربية الحديثة. ومهما يكن من أمر فلا بد من التساؤل عما إذا كان من الممكن أن نحكم على مستويات المعيشة الأثينية بمستويات ما وصل إلينا من فن أثيني.
وسنحاول الإجابة عن هذا السؤال في الفصل القادم. وإنما ينبغي هنا أن نلاحظ أن تيارا واضحا جدا في التاريخ الثقافي في مجتمعنا الغربي يتبين في خلق أعمال فنية وفلسفية وعلمية كبرى على أيدي قلة صغيرة جدا من عباقرة الرجال والنساء الذين يعملون ويعيشون عادة وسط مجموعة مثقفة صغيرة نسبيا. وهناك - بالرغم من القطيعة الجزئية خلال العصور المظلمة - سلسلة متصلة الحلقات من هذا النوع من الثقافة من عهد اليونان حتى الوقت الحاضر. ويمكننا في صراحة أن نسمي هذه السلسلة: سلسلة الثقافة الرفيعة، وليست هي السلسلة الوحيدة التي تربطنا بالماضي، كما أنها ليست المادة الوحيدة لتاريخ الفكر، ولكنها لب الموضوع الذي نحن بصدده.
ولكن الشكوك التي تتعلق بالصفة المميزة لما نعرف عن ثقافة الإغريق العظمى يمكن أن توجه توجيها أفضل من ربطها بمسألة العلاقة بين الثقافة الرفيعة والثقافة الوضيعة. يمكننا أن نضع السؤال بطريقة مباشرة فنقول: ألم «يمجد» في الواقع الإنسانيون والمربون والكلاسيكيون في أوروبا وأمريكا منذ عهد النهضة أثينا لعهد بركليز أكثر مما ينبغي؟ ألم يأخذوا قليلا من المباني، وقليلا من التماثيل، وقليلا من القصائد، وقليلا من الأبطال، وينشئوا من كل ذلك صورة طيبة عن الماضي؟ وربما بالغ المعجبون في عصرنا الحديث باليونان القديمة في فضائل معشوقهم، كما يفعل العشاق دائما. ولكنك لست ملزما بالأخذ بما يرون؛ فإن التصوير الشمسي والصحافة تمكن كل امرئ من أن يعرف شيئا بطريق يكاد يكون مباشرا عن هذه اليونان التي افتتن بها رجال الغرب أمدا طويلا، وليست الأحكام العامة التالية إلا قليلا من معالم الطريق التي تسترشد بها لكي تفهم بنفسك الإغريق.
وأول ما نلاحظه هو أن الثقافة الإغريقية في تقاليدنا الكلاسيكية هي ثقافة دنيوية إلى حد كبير، وكأن هؤلاء الفنانين، وكتاب المسرحية، والصناع، والرياضيين، لم يروا لأول وهلة حياة أخرى تستحق أن يهتم بها المرء أو يأمل فيها. ليس هناك نعيم أو جحيم، وربما ليس هنالك البتة شيء بعد الموت، أو لعل هناك على الأكثر نوعا من المظهر الذي يسبق الحياة في الجنة؛ نوعا لا يشبه هذه الأرض في خيرها أو شرها، أو في متعتها وإثارتها. وسوف نرى أن مشكلات الحياة الأخرى كانت مشكلات واقعية حقا لكثيرين جدا من الإغريق، حتى في عصر بركليز، ولكن قليلا من هذه المشاعر التي أحستها عامة الناس ما وجد سبيله إلى الثقافة العظمى. نعم إن أنتيجون قد أصرت على أن تؤدي شعائر الجناز على جثمان أخيها، وهي تقول فعلا: «إن ولائي للموتى أعمق من ولائي للأحياء؛ ففي عالمهم سوف تكون سكناي إلى الأبد.» ولكن النقطة الرئيسية في المسرحية بأسرها هي مأساة أنتيجون في هذه الدنيا، «وليست مأساة روح أخيها».
هذه الحياة إذن في الثقافة العظمى هي المقصودة. وفي هذه الحياة ينبغي أن نتطلع إلى إشباع حاجاتنا البشرية الطبيعية - وهي بطبيعة الحال رغبات طبيعية بشرية. ومن الكلمة اليونانية للطبيعة «فيزيا» نشتق كلمتنا «فيزائي» - وهي كلمة ملائمة. وقد كانت الملذات الفيزائية (البدنية) والشهوات الفيزائية عند الإغريق في عهد الثقافة العظمى طبيعية جدا، وهي لذلك محترمة بطبيعة الحال؛ فالطعام، والشراب، وممارسة الجد، والنوم، واللعب، والرقص، والاستماع إلى الموسيقى، وعزف الموسيقى، وكتابة الشعر، واللغط، والتفلسف - كل ذلك كان عند الإغريق مما يستحق الأداء، ومما يستحق الإتقان.
Bog aan la aqoon