وتشعب الحديث بعد ذلك، حتى إذا ما بلغنا من السمر غايته في ساعة متأخرة من الليل، نهضنا والضحك يملأ أفواهنا، والفرحة تشيع في نفوسنا، وسرنا الهوينا في طريق العودة، فما إن مررنا بالمسجد - وهو في مدخل القرية - حتى أراد منا من أراد أن يقضي حاجة في «ميضة» الجامع! ولا نكاد ندخل في الفناء المكشوف، حتى نرى الأرانب البيضاء الناصعة جماعات تلمع في ضوء القمر، فبسمل صديقنا الريفي وحوقل واستعاذ بالله من الشياطين، ونظر إلينا نظرة مليئة بالمعنى والتقريع. وأما ابن عمتي وأنا فقد لمعت في رأسينا فكرة واحدة في لحظة واحدة ، كأن كلينا كان يفكر برأس أخيه، وهي أن نمسك من هذه الأرانب ما استطعنا، وبدأنا الطراد من فورنا حتى أمسكنا من الأرانب أرنبين، وعدنا ممسكين بهما كأنما نحن رجال الشرطة قد قبضوا على مجرم خطير ووضعنا الأرنبين في «حلة» كبيرة واربنا غطاءها وثبتنا الغطاء بحجر ثقيل، وانصرفنا إلى مخادعنا.
وصحونا مبكرين نتسلل إلى «الحلة» ننظر خلال فتحة الغطاء، فإذا الأرنبان هناك كما وضعناهما، لولا أن على وجهيهما علائم ذلة وانكسار. وأمرنا أن يذبح الأرنبان وأن يطهيا. كان منهما غداؤنا أمام شهود، وألححنا على صديقنا الريفي أن يأكل، لكنه - مع ذلك كله - أبى أن يدخل في جوفه شيئا من لحم الشياطين.
كيف يكتب الأديب
تلك كانت سذاجة الريف كما شهدتها ثلاثين عاما. وأعود بك خمسين عاما وراء ذلك لأطلعك على صورة رائعة بارعة، كتبها أديب مصري مطبوع عن سذاجة الريفي الذي لم يكن عندئذ قد أصاب شيئا من التعليم. وأما الأديب فهو عبد الله النديم، الذي كتب تحت عنوان «محتاج جاهل في يد محتال طامع» في أول عدد من مجلته «التنكيت والتبكيت» التي أصدرها في السادس من شهر يونيو عام 1881م؛ قال النديم:
احتاج أحد الزراع لاستدانة مائة جنيه، فقصد بعض التجار، وطلب منه المبلغ، فجرت بينهما هذه الحكاية بحضور أحد النبهاء.
الزارع :
عاوز مية جنيه بالفرط يا سيدي.
التاجر :
فرط المية عشرين كل سنة.
الزارع :
Bog aan la aqoon