uniform antecedent ، وهو يصوغ هذا الفهم على النحو الآتي: «حيثما يكون تعاقب الإدراكات د، ه، و، ز مسبوقا بلا تخلف بالإدراك ج، أو تكون الإدراكات ج، د، ه، و، ز حادثة دائما بهذا الترتيب؛ أي تكون نظاما مطردا (
routine ) للتجربة، يقال: إن ج هي سبب د، ه، و، ز، بينما توصف الأخيرة بأنها نتائجها.»
12
هذا المعنى الذي ينبغي - في نظر بيرس - أن تفهم به العلية، يؤدي إلى اتساع نطاق العلية وانتشارها على نحو يتجاوز كثيرا نطاق «السبب المباشر» الذي تتصوره الأذهان العادية لكل ظاهرة، وما دامت المسألة مسألة تعاقب، فمن الطبيعي ألا نقتصر، في تحديدنا للعلة، على الظاهرة السابقة مباشرة فحسب. بل إن كل الظواهر السابقة يمكن أن تكون أسبابا متعاقبة، وبهذا تتسلسل العلل حتى آخر حد يمكن أن تصل إليه المعرفة الراهنة، ولنضرب لذلك مثلا: فلو تعقبت علة نمو شجرة في حديقتي؛ لوجدت هذه الشجرة راجعة إلى وجود الحديقة ذاتها، والحديقة ترجع إلى وجود المدينة. وهكذا تظل سلسلة العلل تمتد مكانيا إلى ما لا نهاية. كذلك فإن نمو الشجرة يرجع إلى اتصاف التربة بخصائص معينة تتصل بالتكوين الجيولوجي في العصور المختلفة، وبذلك ترجع سلسلة العلل إلى الوراء في الزمان إلى ما لا نهاية. وهكذا فإن تعقب علة ظاهرة واحدة يجرنا إلى البحث في الكون بأسره، ومع اعترافنا بأن العلم لا يحاول التوسع في بحث العلل إلى هذا الحد، فمن الواجب أن نتذكر هذه الحقيقة حتى ندرك مدى ارتباط ظواهر الكون بعضها ببعض، ومدى تماسك الفروع المختلفة للمعرفة البشرية.
ومن جهة أخرى فمن الواجب ألا نتصور هذا التعاقب الذي تتولد عنه في أذهاننا فكرة العلة والمعلول؛ على أنه تعاقب مطرد بين عناصر متماثلة تماما؛ فالواقع أن التماثل المطلق بين عناصر التجربة مستحيل، وإنما هناك تشابه تتفاوت درجته، ولا يصل أبدا إلى حد التكرار الكامل للعناصر الماضية. ومن المحال أن تتضمن التجارب العلمية المتكررة عوامل متماثلة في كل شيء، بل هي تنطوي دائما على قدر من التنوع مهما كان طفيفا،
13
فأساس الموجودات إذن هو الفردية، والتشابه بينهما أمر نسبي على مدى دقة وسائل التصنيف والقياس؛ بحيث أن هذه الوسائل لو ازدادت في المستقبل دقة لبدا لنا أن ما نسميه اليوم متماثلا هو في حقيقة الأمر مختلف، وبالاختصار فما نسميه بالطبيعة يتألف من عناصر وظواهر لكل منها فرديته الخاصة، ولا يمكن أن يتكرر واحد منها أكثر من مرة واحدة، وإن كنا نكتفي من أجل تحقيق أغراضنا العلمية بقدر من التشابه بين هذه الظواهر، ونتجاهل ما بينها من فروق فردية أو نعجز عن إدراك هذه الفروق نتيجة لقصور ما في متناول أيدينا من أدوات. (6) الارتباط بدلا من العلية
في وسعنا أن نستخلص من المناقشة السابقة لفكرة العلية نتيجتين أساسيتين تتعلقان برأي بيرسن الخاص في العلية:
الأولى:
هي أن ما يسمى بالعلة لا يقتصر في حقيقة الأمر على العنصر السابق مباشرة للظاهرة المراد تعليلها فحسب. بل إن سلسلة العلل تمتد نظريا، في المكان والزمان إلى ما لا نهاية.
Bog aan la aqoon