architecte
يرضى في كل شيء الله بوصفه مشرعا، وإن الخطايا - بالتالي - ينبغي أن تنطوي في ذاتها على عقوبتها وفقا لقانون الطبيعة، وبفضل التركيب الآلي للأشياء، وإن الأفعال الصالحة - بالمثل - تجتذب بطرق آلية بالنسبة إلى الأجسام، وإن لم يكن من الممكن أن يحدث ذلك دائما على الفور. «وأخيرا، ففي هذا الحكم الكامل لا يمكن أن يكون هناك فعل صالح دون ثواب، ولا حكم فاسد دون عقاب، ولا بد أن ينته كل شيء إلى تحقيق صالح الأخيار، وهذا ما يجعل الأشخاص الحكماء والفضلاء يحرصون على فعل كل ما يبدو متفقا مع الإرادة الإلهية المتوقعة أو المستبقة، ويرضون مع ذلك بما يصدر عن الله بالفعل عن طريق إرادته الغامضة، التي هي متسقة وحاسمة؛ ذلك لأنهم يدركون أنه لو كان في وسعنا فهم نظام الكون فهما كافيا؛ لوجدناه يفوق ما يتمناه أحكم الناس، ولاتضح لنا أن من المستحيل جعله أفضل مما هو، ليس فقط بالنسبة إلى الكون في مجموعه، بل أيضا بالنسبة إلينا على التخصيص، وذلك إذا ما تعلقنا كما ينبغي بخالق الكل، لا بوصفه صانع وجودنا وعلته الفاعلة فحسب، بل أيضا بوصفه سيدنا، والعلة الغائية التي ينبغي أن تكون هي الهدف الكامل لإرادتنا، والتي تكون فيها وحدها سعادتنا.»
11
في هذه العبارات الصوفية التي يختتم بها كتاب «المونادولوجيا» يعبر ليبنتس بدقة عن نظرته العامة إلى الكون، وهي النظرة التي حاول فيها - كما قلنا في حديثنا عن الاتجاه العام لفلسفته - أن يوفق بين العلم والدين على قدر استطاعته. ولقد اتهم ليبنتس بأنه يلجأ إلى فكرة العناية الإلهية ليتخلص بها من كل صعوبة فلسفية تواجهه، ولو تأملنا النص السابق جيدا، لوجدنا لهذا الاتهام ما يبرره؛ إذ يصل به الأمر إلى حد الدعوة فلسفيا إلى قبول كل ما يحدث في الكون، حتى ما لا يكون في ذاته مفهوما أو معقولا؛ على أنه مظهر لحكمة إلهية غامضة لا نستطيع أن نحيط بجميع أطرافها، ولا يمكننا أن ندرك مقاصدها الحقيقة بعقولنا القاصرة. ولقد كان من الطبيعي أن يلجأ هذا المفكر - الذي قضى حياته وسط الملوك والأمراء والحكام - إلى تشبيه الكون بمملكة إلهية، وتشبيه الله بالحاكم أو «أكمل الملوك»، وشتان ما بين طريقة التفكير هذه وطريقة تفكير اسبينوزا (معاصره الأكبر سنا) الذي طالما نبه إلى خطأ تصور الناس لآلهتهم من خلال تصورهم لحكامهم.
ومع ذلك فإننا لا نستطيع أن ننكر لليبينتس فضلا كبيرا، هو أن تأكيده لفكرة الغائية والحكم الكونية لم يتم على حساب القوانين الطبيعية، فهو لم يكن - مثل مالبرانش - على استعداد للتضحية بانتظام الطبيعة واطراد قوانينها في سبيل تأكيد القدرة الإلهية، وإنما حرص على تأكيد الاتفاق أو الانسجام بين انتظام الطبيعة وغائيتها، أو - حسب تعبيره في النص السابق - بين الله بوصفه صانعا والله بوصفه مشرعا. وربما كان ذلك أقصى ما يستطيع أن يفعله شخص مثل ليبنتس، كان ذا عقلية علمية نفاذة من جهة. ولكنه كان من جهة أخرى صفيا ومستشارا لحكام رجعيين، وسواء آمن المرء أم لم يؤمن بالفرض الذي يقول به رسل، من أن ليبنتس كان ذا فلسفتين؛ إحداهما لاهوتية هي تلك التي أذاعها في كتاب «الحكمة الإلهية»، والأخرى علمية هي تلك التي تضمنتها أبحاثه وكتاباته المختلفة، فمن المؤكد، على أية حال، أن ليبنتس قد صان حقوق العلم، في نفس الوقت الذي حاول فيه - عن طريق فكرة الانسجام - أن يجعل للاهوت دورا في تفسيره للعالم.
العالم إرادة وتمثلا لشوبنهور
(1) حياة شوبنهور
إذا كان تفسير آراء كثر من الفلاسفة من خلال وقائع حياتهم يخفق في أحيان غير قليلة، فإنه ينجح قطعا في حالة شوبنهور؛ لأن وقائع حياته تكشف نقاطا كثيرة في مذهبه الفكري، أو على الأقل ترتبط بهذه النقاط ارتباطا واضحا، وهو في ذلك على النقيض من أستاذه «إيمانويل كانت»، الذي لم يكن النمط الرتيب الجاف الذي سارت عليه حياته يكشف عن أي شيء من آرائه، ولا يمكن أن يرتبط بأية طريقة خاصة في التفكير، وستتضح هذه الحقيقة عن شوبنهور بجلاء خلال العرض الذي سنقدمه لحياته.
ولد أرتور شوبنهور
Arthur Schopenhauer
Bog aan la aqoon