وربما بدا للبعض أن فكرة ثبات القوانين الطبيعية تتعارض مع شمول القدرة الإلهية التي تستطيع أن تخالف هذه القوانين في أي وقت. ولكن ديكارت يحدد موقفه من ذلك فيقول (في رسالة إلى أرنولد
Arnauld
بتاريخ 29 يوليو 1648م): «في رأيي أن من الواجب ألا يقال عن أي شيء أنه مستحيل على الله؛ لذلك لأنه لما كان كل ما هو حق وخير معتمدا على قدرته الشاملة، فإنني لا أتجاسر حتى على القول: إن الله يعجز عن صنع جبل بغير واد، أو عن جعل الواحد والاثنين لا يساويان ثلاثة، وكل ما أقوله هو أن الله أعطاني عقلا تقتضي طبيعته ألا يكون في إمكاني تصور جبل بغير واد، أو تصور الواحد والاثنين بغير أن يكون مجموعهما ثلاثة»، هنا نجد دفاعا يبدو في ظاهره متطرفا عن فكرة القدرة الإلهية الشاملة، التي تسري حتى على القوانين الفكرية الضرورية ذاتها. ولكن قليلا من التفكير يقنعنا بأن هذا دفاع على مستوى فرضي، وهو مستوى لا يعني العقل البشري؛ لأن كل علومنا ومعارفنا وتجاربنا تقع في ذلك المستوى الآخر، الذي لا نستطيع فيه - كما قال ديكارت - أن نتصور الجبل بغير واد، أو الواحد والاثنين دون أن يكون مجموعهما ثلاثة؛ أي إن قوانين الطبيعة والفكر تظل فيه ثابتة. هذا هو المستوى الذي يهمنا في العلم . أما الحالة الفرضية المتعلقة بالطبيعة الإلهية في ذاتها، فقد كان ديكارت يستطيع أن يقول عنها ما يشاء ما دامت لا تؤثر في العلم أو الفكر البشري.
وحين أراد ديكارت أن يعبر عن موقفه من فكرة الغائية، لم يقدم هذا الموقف بطريقة مباشرة، وإنما عرضه من خلال تعبيرات ذات مظهر لاهوتي وإن كانت النتيجة المستخلصة منها علمية إلى حد بعيد، فهو لا ينكر الغائية إنكارا مباشرا، بل يؤكد على عكس ذلك أن الكون يخضع لغايات إلهية ولكن هذه الغايات تخفى علينا؛ لأن عقولنا البشرية عاجزة عن استيعابها؛ ومن ثم فلا بد أن نعامل الطبيعة «كما لو كانت» خالية من الغايات. هذا التأكيد للغايات الإلهية - مقرونا بالتأكيد الآخر الذي يقول: إن عقولنا تعجز عن فهمها، معناه - من الوجهة العلمية - نفي لهذه الغايات أو إبطال لجدواها، ما دمنا لا نملك إلا عقولنا «القاصرة» هذه؛ ومن ثم فإن ديكارت ينضم في الحقيقة إلى صف المفكرين الذين ينتزعون الغائية عن الكون، وإن كان يغطي آراءه بقشرة لاهوتية لا يصعب على العقل الناقد كسرها.
ومثل هذا يقال عن رأيه في بساطة القوانين الطبيعية، فأساسها هو بساطة الطبيعة الإلهية ذاتها، التي تسلك في فعلها أقصر الطرق. ولقد كان مبدأ بساطة الطبيعة الإلهية وثباتها هو الذي اعتمد عليه ديكارت في تأكيد مبدأ علمي كانت له في عصره أهمية كبيرة، وهو مبدأ ثبات كمية الحركة في العالم، وسير الأجسام المتحركة في خط مستقيم، مما يؤدي إلى قوانين تصادم الأجسام
Lois du Choe
التي تفسر على أساسها حوادث الطبيعة كلها،
7
وترتب على ذلك اتفاق ديكارت مع جاليليو في القول بقانون القصور الذاتي، بل وفي التعبير عنه بصيغة دقيقة،
8
Bog aan la aqoon