إن البنائية تستطيع أن تجد وسيلة للتوفيق بين نزوعها إلى الثبات ونزوع المؤرخ إلى الحركة والتغيير، وذلك عن طريق التفرقة بين الإطار العام والمضمون الداخلي في كل حدث تاريخي، فمضمون الأحداث التاريخية والمادة المحتواة فيها هو الذي يختلف تبعا للعصور والمجتمعات. ولكن هذا المضمون المتغير يكشف عن تنظيم يظل على ما هو عليه مهما اختلفت السياقات الاجتماعية والتاريخية؛ أي إن ما يسري عليه وما يخضع للتفسير التاريخي، هو المضمون والمادة الداخلية. أما التنظيم والبناء فهو فوق التاريخ، وعلى هذا النحو تستطيع البنائية أن تقدم إرضاء جزئيا على الأقل للمؤرخ الذي لا يمكنه أن يتصور علمه بدون فكرة التغير والحركة المستمرة؛ فهي لا تنكر التاريخ، وإنما تحصر تأثيره في مسافات وتنوعات تطرأ على إطار ثابت، على حين أن المؤرخ يؤكد أن كل شيء متحول، وأن أي بناء لا بد أن يسير في تيار التاريخ المتدفق. (2)
على أن البنائية لم تكن تهدف أساسا إلى معارضة المؤرخين حين أعلنت معارضتها للنزعة التاريخية؛ ذلك لأنها كانت تحارب هذه النزعة في مجالات العلوم الإنسانية الأخرى قبل أن تحاربها في مجال التاريخ ذاته، وهدفها الأساسي كان رفض التفسير الذي انتشر زمنا طويلا، والذي يرجع الظواهر الإنسانية إلى منشئها وتطورها فحسب، ويعجز عن كشف عناصر الثبات فيها، ومن هنا كان ميدانها المفضل - وهو الميدان الذي تستمد منه الحركة البنائية وحيها الأول - هو ميدان اللغويات، الذي حرص رائده «دي سوسير» على أن يكشف فيه بعدا لا يمت إلى التاريخ بصلة، فقد ميز «دي سوسير»
9
بين محورين أساسيين في اللغة: محور التزامن
Simultanéité
الذي يختص بالعلاقات بين التراكيب اللغوية دون أية إشارة إلى الزمان، ومحور التعاقب
Successivité
الذي تبحث فيه ظواهر المحور الأول، لا من حيث هي موجودة معا في وقت واحد، بل من حيث هي متطورة متغيرة، ومن هنا قسم الدراسات اللغوية إلى سكونية
Statique
أو تزامنية
Bog aan la aqoon