4
لا يعني هذا أنه يمكننا فعل ما نشاء، وأن اليد الخفية سوف تعتني بنا لاحقا؛ حيث إن سميث على دراية بالغة بأن الإنسان جبل على التمركز حول الذات والحسد والغرور والشعور بالاستياء والغضب، وأنه عندما تزيد هذه الميول الطبيعية عن الحد، تصبح مدمرة، لكنها ذات أهمية حاسمة عندما تكون معتدلة. إن المصلحة الشخصية تدفعنا إلى القيام بصفقات تؤدي إلى تحقيق المنفعة للآخرين على نحو غير مقصود. وحسد الغني يلهم المرء ببذل جهود عظيمة يتصادف أنها تحقق في الآن عينه التقدم في الصناعة والعلم وحتى الفنون. ولأن المرء يحب تقدير الناس له، فإن الغرور يدفعه إلى عمل الخير، وبما أن استياء الآخرين وغضبهم منا يصيبنا بالتعاسة، فإننا نتجنب إلحاق الضرر بهم.
ولهذا - ومن الغريب - تتصف منظومة سميث الأخلاقية بأنها تتمركز حول الذات، شأنها في ذلك شأن منظومته الاقتصادية؛ فنحن ننفع الآخرين كناتج ثانوي لطموحنا، ونمتنع عن التسبب بإلحاق الضرر لهم تفاديا لما ينتج عن ازدرائهم لنا من شعور بالتعاسة. (5) الفعل الفردي والنتائج الاجتماعية
على الرغم مما سبق، إذا أردنا لهذه المنظومة الاجتماعية أن تعمل بمرونة وتلقائية، فيجب علينا أن نتبع قواعد معينة؛ وهي قواعد العدل التي تمنعنا من إيذاء الآخرين، وقواعد الأخلاق التي تحثنا على كبح جماح رغباتنا المجردة، وقواعد الملكية والتعاقد في المجال الاقتصادي. إن قواعد السلوك الفردي هذه تتضافر معا لخلق نظام اجتماعي نافع ومفيد. ربما لا نفهم كيف يحدث ذلك، لكن غريزتنا الطبيعية تمثل في جميع الأحوال مرشدا يمكننا أن نكون أكثر ثقة به من منطقنا وفهمنا المحدود.
ومؤخرا، نسب إف إيه هايك - الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل - فكرة الأنظمة الاجتماعية المتناغمة التي يمكن أن تنشأ دون حاجة إلى قيادة مركزية، إلى سميث ومن سبقوه.
5
ومع فهمه الحديث للتطور وعلم النفس، استطاع هايك معرفة كيف يمكن أن تزدهر الجماعات الاجتماعية، وأن تخلق - دون وعي أو قصد - نظاما يعمل بمرونة بمجرد اتباع قواعد نظامية للسلوك الفردي.
6
على سبيل المثال، فيما يتعلق باللغة، نحن نخلق دون قصد منظومة تواصل ذات فاعلية هائلة بمجرد اتباع عدة قواعد نحوية؛ وهي القواعد التي نتبعها تلقائيا، لكن من الصعب علينا أن نشرحها، ولا شك أن سميث يقترب من هذه الفكرة في ملاحظاته حول اللغة.
7
Bog aan la aqoon