4
أخذ الفلكيون لاحقا يبحثون عن تفسيرات أبسط لحركات الكواكب، وجاء كوبرنيكوس بمنظومة تجعل الشمس، وليس الأرض، في مركز الكرات السماوية؛ مما جعل تفسير الحركة غير المنتظمة للكواكب أكثر سهولة؛ وذلك لأن الأرض نفسها أصبحت متحركة بحسب هذا التفسير. وعلى الرغم من أن الكثير من الناس صدموا بفكرة أن الأرض ليست مركز الكون، فقد وجد فيها الفلكيون هذا التفسير نافعا، وذلك على الأقل حتى ظهرت مشاهدات أدق كشفت عما بها من عيوب.
أما إسحاق نيوتن، فكان بدوره قادرا على الإتيان بشرح بسيط وعام، لا يقتصر على الكيفية فحسب، وإنما يشرح أيضا أسباب حركة الكواكب على النحو الذي شوهدت به فيما تمثل في تأثير الجاذبية. فقدم نيوتن بضعة قواعد فيزيائية بسيطة تشرح المسارات الإهليلجية للكواكب، إضافة إلى شرح ظواهر أخرى كالمذنبات، وهو ما لم تنطو عليه المنظومة الكوبرنيكية؛ فبدت نظريته بسيطة ومحكمة ومتلائمة مع الحقائق المشاهدة. (2-3) العلم والفهم البشري
إذن، كان سميث ينظر إلى المنهج العلمي باعتباره عملية لشرح الكون بأساليب تعتمد على الذهن البشري، وتحويل التعقيدات الكونية إلى مبادئ بسيطة يمكننا فهمها فعلا. فطرحت نماذج للكون وخضعت للاختبار، وعندما وجدت دون المستوى المتوقع جرى تعديلها، ثم تخلي عنها لصالح شروح أخرى أكثر جودة، عندما أصبحت في غاية الفوضوية والتعارض مع المشاهدات. وهذه نظرة معاصرة للعلم بلا شك.
إننا نرى جمالا في النظريات التي تحول الفوضى التي تنطوي عليها المشاهدات المختلفة إلى «بعض المبادئ العامة»؛ وذلك لأن العلم هو تنظيم عقلي يخصنا - نحن بني البشر. ومما يراه سميث أن كافة النماذج العلمية، التي يعبر عنها ب «كافة المنظومات الفلسفية»، «ليست إلا من ابتكار الخيال».
5 (3) علم نفس التواصل
في «محاضرات في البلاغة والأدب الإبداعي» أيضا، نجد أن صميم الموضوع الذي يبحثه سميث هو علم النفس البشري، وينطلق منه إلى البحث في تطوير مؤسسة اجتماعية أساسية، أي التواصل. فعلى سبيل المثال، يوصي سميث بأنه إذا كان لديك جمهور متعاطف من المستمعين، فيجب عليك أن تلقي عليهم رسالتك كاملة، ثم تشرحها بعد ذلك شيئا فشيئا، أما إذا كان جمهورك عدوانيا، فلا تهاجمه باستنتاجاتك الخلافية مرة واحدة، وإنما يجب عليك أن تقودهم إليها على مراحل.
وفي هذه المحاضرات - التي لا توجد إلا على شكل ملحوظات دونها الطلبة - وفي مقالته المعنونة «اعتبارات حول التشكل الأولي للغات»، يسعى سميث إلى فهم اللغة عبر البحث في كيفية ظهورها. وبما أنه ليست هناك أي سجلات مكتوبة توثق ذلك، يتسم الوصف التاريخي الذي قدمه سميث بأنه حدسي حتما؛ إذ تقتصر أمثلته على القليل من اللغات الأوروبية القديمة والحديثة، لكن شرحه يعتمد الأسلوب التطوري؛ إذ يعتقد أن اللغة تنمو مع تطور المجتمع البشري، وأنها من أدوات هذا التطور. (3-1) التواصل والطبيعة البشرية
لأن اللغة من منتجات العقل البشري، يشدد سميث أنها تخبرنا شيئا حول طبيعتنا. ولنأخذ على سبيل المثال قدراتنا على التصنيف، والتي لاحظناها أثناء مناقشة «تاريخ علم الفلك»، فيقترح سميث أن الشعوب الأولى ربما تكون قد أقدمت على إعطاء أسماء مختلفة لكل شيء، ولا بد أن ذلك كان مزعجا إلى حد بعيد، لكن من حسن الحظ أن قدرة العقل البشري على التجريد قدمت يد العون؛ فنستطيع أن نلاحظ خصائص مشتركة لدى الأشياء المختلفة، وأن نستخدم كلمة مشتركة للدلالة على أصناف بأكملها من هذه الأشياء (كلمة «الأشجار» مثلا)، كما يمكننا أيضا تحديد الخصائص كالألوان (بقولنا «الشجرة الخضراء»)، أو العلاقات (مثل «الشجرة التي تقع أعلى الكهف»).
6
Bog aan la aqoon