يستكشف سميث في المجلد الخامس جوانب الدور الملائم للحكومة، منتقدا إياها وذوي السلطة، غير أنه ليس من مناصري مبدأ عدم التدخل الحكومي في الاقتصاد؛ فهو يعتقد بأن اقتصاد السوق الذي قدم وصفا له لا يمكنه العمل وتحقيق المنافع إلا إذا تحققت قواعده، ويحدث ذلك عندما تؤمن الملكيات وتحترم العقود؛ ولهذا فإن مراعاة «العدل» واحترام «حكم القانون» من الأساسيات.
وكذلك «الدفاع»؛ فإذا كانت هناك إمكانية لتعرض إحدى ملكياتنا للسرقة من جانب قوة أجنبية، فالأمر لا يختلف عن سرقة الجيران لها.
لكن سميث يتجاوز ذلك بقوله إن هناك أيضا دورا للحكومة في «توفير الأشغال العامة» و«تعزيز التعليم». (6-1) الدفاع
يذهب سميث إلى أنه في مجتمع الصيد والجمع، يتوجب على الجميع أن يدافعوا عن أنفسهم. لكن بما أن الصياد يعيش لكسب قوت يومه ولا يكاد يمتلك أي شيء، فليس هناك ما يدعو إلى تأسيس أي سلطة مركزية. أما في عصر الزراعة، فقد بدأ الناس يراكمون الملكية الثمينة (المحاصيل والمواشي مثلا)، وأصبح الدفاع عنها أولوية لديهم. وبموجب مبدأ تقسيم العمل، تأسست قوة عسكرية متخصصة، يحقق منها ذوو الملكيات الأكبر منافع أكبر، لكنهم يجبرون الجميع على المساهمة فيها بدلا من «الاستفادة المجانية»؛ ولذلك أصبح الدفاع من وظائف الحكومة. (6-2) العدل
إن الحجة التاريخية السابقة تنطبق على العدل أيضا، فعندما ينتقل الناس إلى مجتمع التجارة وتبادل المنافع، يؤسس أصحاب الملكيات حكومات مدنية للدفاع عن أنفسهم ضد جيرانهم الذين لا يمتلكون أي شيء:
إن ثراء الغني يثير نقمة الفقير الذي دائما ما يحركه العوز ويدفعه الحسد للاعتداء على ممتلكات الغني، ولا يمكن إلا تحت حماية القضاء المدني أن يتمكن صاحب الأملاك الثمينة، والتي حصل عليها بجهد أعوام طويلة أو بجهد الكثير من الأجيال المتعاقبة، من النوم ليلة واحدة بأمان.
46
ويمكننا أن نلاحظ بوضوح ما يتحقق من منفعة إذا ما تقبل الجميع سلطة القضاة المستقلين، لكن الجهود التي يبذلها من يتمتع بالغنى والقوة لبناء مظلة قضائية تحميه، إنما تستمد الدعم من ميل الإنسان الطبيعي إلى احترام سلطة عدة ميزات شخصية، مثل: القوة والحكمة والحصافة والنضج والثروة والمكانة.
وبعبارة أخرى، يمكن القول بأن الحكومة المدنية هي محصلة الصراعات والتفاوتات التي تنشأ في المجتمع التجاري؛ وهي محصلة طبيعية نافعة عموما، لكنها ليست مثالية بأي شكل من الأشكال.
إن الحكومة المدنية، ما دامت قد أقيمت لضمان أمن الملكية، فقد أقيمت في الواقع للدفاع عن الغني ضد الفقير، أو عن هؤلاء الذين لديهم بعض الملكية ضد من ليست لديهم أي ملكية على الإطلاق.
Bog aan la aqoon