وكان أول من تكلم يوسف، فقال: أيصدق ظني أني أسيرك هنا؟ - أنى لي ذلك؟ - لو أردت! - لو قدرت!
وبعد سكوت هنيهة قال يوسف: ما الذي جاء بك إلى هنا؟ - الطيش. - ماذا تقصدين؟ - إياك أقصد. - ماذا تريدين؟ - لا أدري. - من أرشدك إلي؟ - الخفقان. - كيف قدرت أن تصلي إلى هنا؟ - قوة القوي قدرتني. - ألك صلة بهؤلاء الطغام؟ - صلة حديثة. - والآن ماذا تريدين؟ - أريد أن نخرج من هنا. - إلى أين؟ - إلى حيث لا يدري بنا أحد.
ومشت أمامه فتبعها وأقفلت الباب وأوصدته، ثم صعدا في سلم، ولما انتهت السلم رأى يوسف نفسه في رحبة منزل، فعلقت ليلى المفتاح في مسمار في الحائط، وفتحت بابا فرأى يوسف منه نجوم السماء، ثم خرجا من هذا الباب فأوصدته ليلى، وحينئذ رأى يوسف نفسه في حقل رحيب والمنزل في وسطه، والمنازل الأخرى بعيدة عنه جدا، ثم مشيا في الحقل إلى أن بلغا شارعا ندرت الأبنية على جانبيه، وكان هناك أوتوموبيل ينتظرهما فصعدت ليلى إليه، وصعد يوسف بعدها وهما صامتان، وفي الحال أطلق الحوذي العنان للأوتوموبيل، فسار بسرعة البرق هنيهة قصيرة، ثم استوقفت ليلى الأوتوموبيل، ووضعت في يد الحوذي قطعتين من فضة، وقالت للحوذي: استمر في سبيلك.
فاستأنف الحوذي سيره ومشت ليلى في شارع آخر ويوسف يتبعها كما يتبع الكلب الأمين سيده إلى أن بلغا قهوة، فدخلا إلى الغرفة القصوى منها وجلسا في زاوية فيها، ولم يكن في تلك الغرفة أحد.
بقيا صامتين نحو دقيقتين، ثم قال يوسف: لم أفهم شيئا، فقالت: ولا أنا أفهم. - لماذا استخرجتني من سجني؟ - لماذا كنت سجينا؟ - عوقبت؛ لأني كنت أفتدي روحا طاهرة. - أين تلك الروح؟ - إذا كنت تصرين على الاستعلام فرديني إلى سجني. - تعني أنك لن تقول؟ - نعم لن أقول. - لا بأس، أنت حر، فهل تأذن لي بسؤال آخر؟ - اسألي. - لماذا أخبأتها؟ - لكي أصونها. - من ماذا؟ - من السقوط الهائل. - أي سقوط هذا؟ - سقوط النعجة الوديعة بين مخالب الذئب الدنس. - ليتك تفصح؛ لأن الفهم محدود. - إن الذي يبتغي الزواج من هيفاء خليل ثلاث نساء، وهو يطمع أن يجعلها رابعتهن.
فارتجفت ليلى وقالت: إذن لست محتفظا بها؟ - بل أحتفظ بها احتفاظ الأخ بأخته. - وهي؟ - تحتمي بي احتماء الأخت بأخيها. - كيف عرفتها؟ - أنت عرفتني بها.
فسكتت ليلى هنيهة ثم قالت: لا أدري إن كان يحق لي هذا السؤال. - متى عرفت السؤال أرى إن كان يحق لك أن تسأليه. - هل الفتاة عزلاء في منزل وحدها؟ - كلا، بل هي بين طاهرات مثلها. - وكنت تزورها طبعا؟ - لا، لم أرها إلا ساعة أودعتها في حصنها المنيع.
فتنهدت ليلى الصعداء، وقالت: اصفح عن جسارتي.
ثم نهضت وهي تقول: «بونسوار.»
فقال وعيناه تجحظان: يا للكبرياء! - من ترمي بهذا السهم؟ - أرمي من ترتد عنها السهام متكسرة. - ولكنه سهم سام مؤلم. - الكبرياء لا تتألم. - تتألم إذا كان رامي السهم الأنفة. - الأنفة تقلص والكبرياء تمدد، الأنفة مفعول والكبرياء فاعل، فلو لم تكن كبرياء لم تكن أنفة.
Bog aan la aqoon