والوخد هو السير السريع وسعة الخطوة، وشوقي يحاكي المتنبي في إخراجه الأبيات التي كتبت لتجري مجرى الحكم والأمثال، ويستخدم حيل البلاغة العربية في أزهى عصورها، حتى وهو يتحدث عن رمسيس وسيزوستريس!
رب إن شئت فالفضاء مضيق
وإذا شئت فالمضيق فضاء
فاجعل البحر عصمة وابعث الرح
مة فيها الرياح والأنواء
وأصداء اللغة القرآنية لا تغيب عن القارئ أبدا؛ فهو ينظر إلى وضع الكلمات (في سورة هود) عندما قال ابن نوح لأبيه:
سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، ويذكرنا بالآيات المعروفة
يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته (الأعراف: 57؛ والفرقان: 48؛ والنمل: 63)، فالشاعر في هذه القصيدة الفريدة التي تزيد على 260 بيتا من الشعر العمودي (الملتزم بقافية واحدة وبحر واحد) يعلن مولد الازدواجية أو الصورة المزدوجة التي ورثها جيلنا من أجيال رواد الأدب الحديث في القرن العشرين، وكنت أتمنى أن يتناولها الدكتور شوقي ضيف في كتابه الجميل شوقي شاعر العصر الحديث بالمزيد من التفصيل.
ولم يكن توفيق الحكيم أقل وعيا بهذا الازدواج من شعراء الجيل السابق؛ فرواية عودة الروح وحدها أكبر دليل على الوعي العميق بمصرية مصر، وتميز شخصيتها عن شخصية من حولها من البلدان؛ فهو يدخل البيت المصري في روايته، وينزل إلى الشارع كما نقول هذه الأيام، ويرسي أسس التصوير الواقعي للحاضر في ظل أسطورة فرعونية عن البعث، أو عودة الروح إلى الجسد في العالم الآخر - وهي العقيدة الفرعونية التي عاشت في وجدان الشعب المصري آلاف السنين قبل نزول رسالات السماء وقدوم الأنبياء.
وفي مسرحية إيزيس يؤكد توفيق الحكيم ولعه بهذه الأساطير المصرية القديمة ويتخذ منها صورا «شعرية» يستخدمها في البناء المسرحي نفسه، بل ويفعل ذلك واعيا في معظم كتاباته في مجال القصة أو الرواية أو المسرح. فتوفيق الحكيم مثل هيكل وشوقي عاش في أوروبا، وأحس على البعد في تلك السنوات الأولى من فجر النهضة الحديثة بصورة مصر المستقلة، وإن كان فن المسرح قد فرض عليه فرضا أن يستخدم اللغة المعاصرة أو أن يطوع اللغة العربية لمقتضيات الحديث لاستخدامه في الحوار، محاكيا في ذلك أبنية اللغة العربية المصرية دون اللجوء إلى استخدام اللغة العامية.
Bog aan la aqoon