Suugaanta iyo Nolosha

Muxammad Cinwaani d. 1443 AH
59

Suugaanta iyo Nolosha

الأدب والحياة

Noocyada

وأخيرا فإن ثورة الأكاديميين والكتاب على تقاليد الجامعتين الكبيرتين كان يمكن أن تكون فارغة لولا المساندة العلمية التي يتلقونها من هذا الحشد الهائل من الدارسين الذين يؤكدون قدرة الشباب على الاستجابة لأفكار الكبار وأبحاثهم، حتى ولو كانت سلبية أو تتضمن قدرا كبيرا من الخلاف والاختلاف والمعارضة.

مصر في عيون العالم

مصر في مؤتمر القاهرة

العام يطوي صفحته، والأيام تجري لاهثة، والنشاط الدافق في جامعتنا يوحي بإشراق عام جديد أكثر مما يوحي بأفول عام غارب، فما إن انفض مؤتمر طه حسين حتى انعقد مؤتمر الأدب المقارن حول صور مصر في أدب القرن العشرين. فأصبح قسم اللغة الإنجليزية الذي نظم المؤتمر خلية نحل، وازدحمت قاعاته الفسيحة بالدارسين والأدباء من شتى أنحاء العالم، يناقشون مصر، بل لم يكن لهم هم على مدى أيام ثلاثة سوى مصر وصورها.

وفي الفسحة ما بين جلستين، كان كثير من الأساتذة الأجانب ملتفين حول الكتب المصرية التي تقدم الأدب العربي الحديث مترجما إلى الإنجليزية - في المعرض الصغير الذي أقامته هيئة الكتاب - حين لمحت البروفيسور كريستوفر نوريس الأستاذ في جامعة أكسفورد واقفا بقامته القصيرة ولحيته الحمراء يتطلع بعيون شاردة من نافذة غرفة الأساتذة، وقد بدأ ضوء الشمس يتسلل إليها. وعندما اتجهت إليه لمحني فاستدار وقال فجأة: «كان الضباب يكتنف الأهرام هذا الصباح كأنه غلالة الزمن!» وعجبت ولم أعلق، فعاد يقول: «ترى كيف تحسون بالزمن وأنتم الزمن نفسه؟»

لقد انطوى عام 1989م بعد أن عشناه نحن المشتغلين بدراسة الآداب الأجنبية نبضا دافئا في قلوبنا؛ فأنظار العالم على مصر وآداب مصر وفنون مصر منذ أن فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، وتزايدت الطلبات على شراء الكتب المصرية التي تقدم الأدب العربي الحديث بالإنجليزية كأنما يريد العالم أن يعيد اكتشاف مصر، ولقد وجدت في رحلاتي هذا العام إلى بلدان شتى في قارات العالم الأربع أن «مصريتي» تسبقني، وأن اسم مصر قد عاد له رنينه المتميز، وكان هذا الإحساس هو دافعنا على تدارس الاختلاف في صورة مصر في أدب القرن العشرين في ذلك المؤتمر غير المسبوق في تاريخ جامعاتنا.

ولم يكن من الغريب أن تدور معظم الأبحاث في المؤتمر حول محور واحد لم تحدده اللجنة التحضيرية (برئاسة الدكتورة هدى جندي رئيسة القسم)، ولكنه برز بصورة طبيعية في مجالات التخصص المختلفة للمشتركين، ألا وهو الزمن !

فسواء كان البحث يتعلق بصورة مصر في أوائل القرن العشرين (في أدب برنارد شو أو جيمس جويس مثلا) أو في منتصفه (وليم جولدنج أو لورانس داريل أو إ. م. فورستر)؛ فالإطار الذي يضمه هذا إطار الزمن أو مصر باعتبارها صورة استعارية لأبعاد الزمن المتشابكة المحيرة كما ذهبت إلى ذلك د. هدى الصدة في بحثها، فإذا كان الكتاب والشعراء قد أحبوا مصر عندما اكتشفوها، في القرن التاسع عشر باعتبارها «واحة زمنية» يرتادها الإنسان ليروي ظمأه إلى الماضي؛ فهم يحبونها اليوم باعتبارها نموذجا لامتزاج جهد الإنسان بحياة الطبيعة امتزاجا يدفع به إلى الأمام، دون أن يفقده وعيه بامتداده في الزمان والمكان، ويقرب بينه وبين ثوابت الكون ودوائر الحياة، فيلغي الفواصل بين الأيام حتى ليرى في أعمق أعماقه صور حياته الدائمة الدائبة على ضفاف الوادي حافلة ثرية عامرة بالقيم التي غرسها أجدادنا في هذه الأرض، فنمت وازدهرت وأصبحت جزءا لا يتجزأ من وعينا الجمعي، بل من اللاوعي الجمعي لأبناء هذا الوطن جميعا.

فكتاباتهم نبراس هذا الجيل وهداه؛ قاسم أمين ولطفي السيد وسلامة موسى، والرافعي وطه حسين وهيكل والعقاد والمازني وغيرهم.

وأذكر أنني سئلت أثناء مناقشة دارت أمام الكتب المترجمة المعروضة أثناء المؤتمر عن الجيل السابق لجيلنا، وكان السائل عربيا يريد أن يعرف سر تركيزنا في الترجمة على أدب ما بعد نجيب محفوظ؛ فأجبته الإجابة التي أجابها د. سمير سرحان ذات يوم في إحدى ندوات هيئة الكتاب وهي أنهم موجودون في هذا الجيل - فلولا طه حسين وهيكل ما كان يوسف إدريس، ولولا العقاد والمازني وشكري ما كان عبد الرحمن الشرقاوي وصلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي، ولولا الرافعي ولطفي السيد ما كان أحمد بهجت وعبد الرحمن فهمي، ولولا توفيق الحكيم وأحمد شوقي ما كان سعد الدين وهبة وفاروق جويدة؛ فتاريخنا القريب حلقات متداخلة موصولة، ومصر القرن العشرين شامخة في اتصال فكرها وأدبها مهما شابها من شوائب بين الحين والحين؛ فهي شوائب غريبة عليها ومآلها إلى الزوال؛ إذ إن في هذا البلد حبل اتصال ثقافي متينا يمكنها من تخطي «الشوائب» مثلما أبقى عليها حية نابضة على مر القرون ورغم الخطوب.

Bog aan la aqoon