وتحركت عيناها نحوي وهي تقول: هل هناك أم تقتل طفلها؟ أنا لم أقتله، الله هو الذي قتله، ربنا أخذه ليرحمه من الجوع.
أما زينب فقد عجزت عن قتل طفلتها، وظلت رغبة القتل تراودها، وكلما احتضنت طفلتها لترضعها شعرت كأنما قوة خفية تضغط بيدها على ابنتها.
وقد ظنت زينب أن الله يكرهها؛ لأنها لم تعد تحب زوجها، وكراهيتها امتدت من زوجها إلى أطفالها، ثم إلى نفسها.
أصبحت تكره نفسها وتظن أن الله يكرهها أيضا ...
ربما لأنها لم تكن طاهرة كما يجب، أو أن شيئا مدنسا راودها في طفولتها أو مراهقتها ، وتظل تبحث في ماضي حياتها عن خطيئة ما فعلتها في اليقظة أو المنام، ولا بد أن تجد شيئا، وإن كان مجرد حلم.
وفي عصرنا الحديث استطاع الطب النفسي أن يكتشف مرضا اسمه «الاكتئاب»، يصيب المرأة أو الرجل.
لكن نسبة الإصابة أكثر بين النساء، وتبلغ حوالي 9٪ بين النساء، و7٪ بين الرجال. ويصيب الاكتئاب جميع شعوب العالم، ويسمونه مرض العصر التكنولوجي، وله علاقة كبيرة بارتفاع قيمة الدولار وانخفاض قيمة الإنسان.
وتزيد نسبة الاكتئاب بين أطباء النفس على غيرهم من الرجال، ويعجز معظم الأطباء الرجال عن فهم الدوافع الحقيقية وراء اكتئاب النساء، فالطبيب كغيره من الرجال ما زال يتصور أن الله قد خلق المرأة لتكون خادمة للرجل، فإن غضبت ورفضت دور الخادمة هذا، فهي مريضة وتحتاج إلى علاج.
وما زال معظم الأطباء في العالم يتصورون أن الأم التي تقتل أطفالها تعاني مرضا عقليا، أو تغيرا كيمائيا في المخ، أو نقصا في هرمونات الأنوثة والأمومة، أو خللا ما عضويا أو نفسيا. وإذا اتسع أفق الطبيب ليشمل شيئا من علوم الوراثة، فقد يفكر في الكروموسومات، أو انتقال المرض عبر «الجينات» من الأب أو الأم. وإذا اتسع أفق الطبيب أكثر ليشمل شيئا من العلوم الاجتماعية، فقد يفكر في مشاكل المجتمع أو الأسرة، مثلا قسوة الأب وغلظة قلبه، أو إدمانه للخمور أو المخدرات، باعتبار أن هناك علاقة ما بين الإدمان ومرض الاكتئاب.
لكن قليلا جدا من الأطباء من يفهم حقيقة الصراع النفسي في أعماق الأم التي تقتل طفلها، ولا تزال البحوث العلمية في مجال سيكولوجية المرأة نادرة، وأغلبها يرث أفكار «فرويد» الذي كان يشكر الله كل صباح؛ لأنه لم يخلقه امرأة. والمرأة السليمة نفسيا في نظره لم تكن إلا تلك التي استطاعت أن تقتل «الأنا العليا» أو تقتل «طموحها الفكري» كخادمة للرجل، وتصلي لله شكرا.
Bog aan la aqoon