Adab Sharciyya
الآداب الشرعية والمنح المرعية
Daabacaha
عالم الكتب
Daabacaad
الأولى
Goobta Daabacaadda
القاهرة
Noocyada
Suufinimo
مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاك اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ، وَأَعْطَاك الْأَلْوَاحَ فِيهَا تِبْيَانُ كُلِّ شَيْءٍ وَقَرَّبَك نَجِيًّا، فَبِكَمْ وَجَدْتَ اللَّهَ ﷿ كَتَبَ التَّوْرَاةَ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ؟ قَالَ مُوسَى: بِأَرْبَعِينَ عَامًا قَالَ آدَم: فَهَلْ وَجَدْتَ فِيهَا: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ [طه: ١٢١] قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَفَتَلُومُنِي عَلَى أَنْ عَمِلْتُ عَمَلًا كَتَبَهُ اللَّهُ ﷿ عَلَيَّ أَنْ أَعْمَلَهُ قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ؟» هُوَ فِي الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «فَحَجَّ آدَم مُوسَى» وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ «فَحَجَّ آدَم مُوسَى ثَلَاثًا» وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ قَدَّرَهُ اللَّهُ ﷿ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةٍ؟ هَذِهِ الْكِتَابَةُ فِي التَّوْرَاةِ كَتَصْرِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ ﷿ وَمَا قَدَّرَهُ وَأَرَادَهُ قَدِيمٌ، وَآدَمُ مَرْفُوعٌ بِالِاتِّفَاقِ أَيْ: غَلَبَ فَظَهَرَ بِالْحُجَّةِ.
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَمَعْنَى كَلَامِ آدَمَ إنَّك يَا مُوسَى تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا كُتِبَ وَقُدِّرَ عَلَيَّ فَلَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فَلَا تَلُومَنِّي عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ اللَّوْمَ عَلَى الذَّنْبِ شَرْعِيٌّ لَا عَقْلِيٌّ، وَإِذْ تَابَ اللَّهُ ﷿ عَلَى آدَمَ، وَغَفَرَ لَهُ زَالَ عَنْهُ اللَّوْمُ، فَمَنْ لَامَهُ كَانَ مَحْجُوجًا بِالشَّرْعِ. فَإِنْ قِيلَ: فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ: هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ قَدَّرَهَا اللَّهُ ﷿ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ.
(فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا الْعَاصِي بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي زَجْرٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ، فَأَمَّا آدَم فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ، وَعَنْ الْحَاجَةِ إلَى الزَّجْرِ، فَفِي الْقَوْلِ إيذَاءٌ لَهُ، وَتَخْجِيلٌ بِلَا فَائِدَةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ﵀: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى قَالَ: لِمَاذَا أَخْرَجْتنَا وَنَفْسَكَ مِنْ الْجَنَّةِ؟ فَلَامَهُ عَلَى الْمُصِيبَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِسَبَبِ فِعْلِهِ لَا لِأَجْلِ كَوْنِهَا ذَنْبًا، وَلِهَذَا احْتَجَّ عَلَيْهِ آدَم ﵇ بِالْقَدَرِ، وَأَمَّا كَوْنُهُ لِأَجْلِ الذَّنْبِ كَمَا يَظُنُّهُ طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ فَلَيْسَ مُرَادًا بِالْحَدِيثِ، فَإِنَّ آدَمَ ﵇ كَانَ قَدْ تَابَ مِنْ الذَّنْبِ، وَالتَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ
1 / 259