وخلف الوعود أو نقض العهود والغدر بها باب من أبواب الكذب، وقد رتب الله عليه نفاق القلوب في قوله: فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ «١» وخلف الوعد تضييع للثقة، وسرقة من وقت الموعود، وإخلال بنظام حياته وأعماله، وكل هذه يفقد بها الإنسان من مكاسب الحياة ربحا عظيما، وكذلك نقض العهد، وخلف الوعد يكون جريمة كبرى إذا كان العزم عليه مقارنا للوعد فإذا كان عازما على الوفاء ساعة وعد ولكن عرض له ما حال دون الوفاء، لم يكن من أهل النفاق، فإن كان الوفاء في إمكانه وتركه فعليه إثم الإخلاف وإن كان قبل عازما على الوفاء.
وأما الفجور في المخاصمة وعدم الوقوف عند الحق: فذلك وزر كبير يجر إلى أوزار كثيرة، ومفاسد عظيمة.
فالفاجر في الخصومة ينكر حق صاحبه ويستحل ماله وعرضه، ولا يترك بابا من أبواب الإضرار به إلا اقتحمه، ولو أضاع في سبيل ذلك المال الكثير، بل ولو شغله ذلك عن القيام بواجباته وأنت جد عليم بما يكون بين أرباب القضايا وبين الحزبين من بلد واحد، وبين الأحزاب السياسية وغيرها، فالفجور في الخصومة داء وبيل، يقطع الأواصر «٢» وينشر الجرائم، ويفتك بالأخلاق، فلا جرم إن كان آية الآيات في النفاق.
هذا وقد ذكر النووي أن جماعة من العلماء عدّوا هذا الحديث مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره، وقد أجيب عن ذلك بأن المتصف بهذه الخصال كالمنافق في التخلق بأخلاقه لا أنه منافق حقيقة، وهذا الجواب مبني على أن المراد بالنفاق في الحديث النفاق في الإيمان، وهذا الجواب مردود بقوله في الحديث: «كان منافقا خالصا»، وأجيب أيضا بأن الظاهر غير مراد وإنما الغرض من ذلك المبالغة في التحذير، والتنفير من هذه الخصال بأبشع الطرق.
وارتضى القرطبي أن المراد بالنفاق هنا نفاق العمل، ويرى آخرون أنه نفاق في الإيمان، والمراد بمن وجدت فيه هذه الخصال: من تعودها وصارت له ديدنا وخلقا،
_________
(١) سورة التوبة، الآية: ٧٧.
(٢) الأواصر: الصلة والقرابة.
1 / 19