آداب المتعلم من قناطر الجيطالي
آداب المتعلم
خلاصات من كتاب قناطر الخيرات
للشيخ إسماعيل الجيطالي رحمه الله تعالى
شبكة الدرة الإسلامية
www.aldura.net
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب المتعلم
تنحصر في عشرة أقسام (¬1) :
1-المبادرة إلى التعلم في أول وقت الإمكان، ويرغب فيه رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه، ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال ولا نفوذ أمر وعلو منزلة .
2-أن يكون قصده في التعلم إرادة وجه الله تعالى، وإنفاء الجهل عن نفسه، وإرشاد من قدر على إرشاده بنية خالصة وعزيمة صادقة .
وليحذر طالب العلم أن يطلبه لمراء (¬2) أو رياء؛ فإن المماري به مهجور لا ينتفع، والمرائي به محقور لا يرتفع .
والمماري به هو القاصد لدفع ما يرد عليه من فاسد وصحيح .
وليس المماري به هو المناظر فيه طلبا للصواب، وقد بين ذلك بعض العلماء فقال لصاحبه: لا يمنعنك حذر المراء من حسن المناظرة فإن المماري هو الذي لا يريد أن يتعلم منه أحد ولا يرجو أن يتعلم من أحد .
3- ينبغي لطالب العلم أن يقدم أولا طهارة النفس من دناءة الأخلاق ومذموم الأوصاف؛ لأن العلم عمارة القلب، وصلاة السر، وقربة الباطن إلى الله تعالى. فكما لا تصح صلاة الجوارح الظاهرة إلا بطهارة الجوارح من جميع الأحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته من خبائث الأخلاق من الغل والكبر والرياء وغير ذلك .
¬__________
(¬1) - خلاصات من كتاب " قناطر الخيرات " للإمام العلامة أبي طاهر إسماعيل بن موسى الجيطالي رحمه الله تعالى، القسم الأول، ص131-150 ، حققه وعلق عليه الدكتور عمرو خليفة النامي .
(¬2) - أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء لقي الله يوم القيامة وهو خائب من الحسنات)، مسند الإمام الربيع بن حبيب رحمه الله تعالى .
Bogga 1
فإن قيل: كم من طالب رديء الأخلاق قد حصل العلوم ! قيل له: فهيهات، ما أبعدك عن العلم الحقيقي النافع في الآخرة؛ فإن من أوائله أن تظهر للعالم به أن المعاصي سموم مهلكة. وهل رأيت من يتناول شيئا مع علمه بأنه سم مهلك ؟ إنما الذي تسمعه من المتشبهين بالعلماء في التشدق روايات ومسائل تلقفوها من غير معرفة بحقائقها، وليس ذلك من العلم في شيء .
4- أن يقلل طالب العلم علائقه من أشغال الدنيا، ولا يسوف نفسه بالمواعيد الكاذبة ويمنيها بانقطاع الأشغال المتصلة. فإن لكل وقت شغلا، وفي كل زمان عذرا .
فمن أراد العلم بصحة الاجتهاد والجد فليبعد عن الوطن والأهل، فإن العلائق شاغلة عن المطلوب، وصارفة عن درك المأمول، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه. فمهما توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق. ومثال الفكرة المتوزعة على أمور متفرقة كجدول نهر تفرق ماؤه فنشفت الأرض بعضه، واختطف الهواء بعضه فلا يبقى منه ما يجتمع ويبلغ المزرع .
5-أن لا يتكبر على العلم، ولا يتأمر على المعلم، بل يلقي إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل، ويذعن لنصحه إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق فبذلك ينال مطلوبه ويظفر بمأموله .
وينبغي له أن يتواضع لمعلمه، ويطلب الثواب والشرف بخدمته، ثم ليعرف له فضل علمه، وليشكر له جميل فعله ولا يمنعه من ذلك علو منزلته إن كانت له وإن كان العالم خاملا، فإن العلماء بعلمهم استحقوا التعظيم لا بالقدرة والمال. وينبغي له أن يتلطف به ويتذلل ويتملق إليه بفعاله ولا يتجهل؛ لأن التملق للعالم يظهر مكنون علمه، والتذلل له سبب لإدامة صبره .
والملق معناه التودد واللطف الشديد .
Bogga 2
6-ألا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة إلا وينظر فيه نظرا يطلع منه على مقصده وغايته، ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه. وإلا اشتغل بالأهم فاستوفاه وتطرف من البقية . فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض، ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله فإن الناس أعداء ما جهلوا .
ولا ينبغي أن يتكبر على فن من العلوم المحمودة؛ فإن العلوم على درجاتها إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى، أو معينة على السلوك نوعا من الإعانة، ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود. ومن تكبر الطالب للعلم أن يستنكف عن الاستفادة والتعلم إلا من المشهورين الكبراء، وذلك عين الحماقة؛ فإن العلم سبب النجاة والسعادة، فمن طلب مهربا من سبع ضار يفترسه لم يفرق بين أن يرشده إلى المهرب مشهور أو خامل، وضراوة سباع النار بالجهل بالله تعالى أشد ضراوة من كل سبع. فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها، ويتقلد المنة لمن ساقه إليها كائنا من كان نبيها كان أو خاملا .
فمهما تكبر المتعلم عن العلم انحرف العلم عنه وصعب عليه بعد ذلك طلبه . (¬1)
7-ينبغي للمتعلم أن يحترز في مبدء الأمر عن الإصغاء إلى اختلاف الناس سواء كان [ ما خاض فيه ] من علوم الدنيا أو علوم الآخرة؛ لأن ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه ويؤيسه عن الإدراك. بل ينبغي له أن يتقن أولا الطريقة الوحيدة المرضية عند أستاذه إذا كان أستاذه نقادا بصيرا بفنون العلم، مستقلا باختيار رأي واحد ومذهب واحد. وإن كان أستاذه إنما عادته نقل المذاهب وما فيها، ولم يعتقد رأيا فليحذر منه فإن ضلاله أكثر من إرشاده فلا يصلح الأعمى لقود العميان وإرشادهم .
¬__________
(¬1) - قيل: إن المتواضع من طلاب العلوم أكثرهم علما كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماء .
Bogga 3
وإن كان أستاذه بصيرا بالعلم متخيرا لنفسه قولا واحدا يعتمد عليه، ورعا في دينه فليلق إليه المتعلم زمام أمره بحسن الإصغاء والقبول، ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعليم فليقلده وليدع رأيه؛ فإن خطأ مرشده أنفع له من صواب رأي نفسه، إذ التجربة تطلع الإنسان على دقائق يستغرب سماعها مع أنه قد يعظم نفعها؛ وقد نبه الله تعالى على ذلك في قصة الخضر وموسى عليهما السلام حيث قال الخضر: { - قال إنك لن تستطيع معي صبرا - وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا - } [سورة الكهف: الآيتان 67-68 ] ثم شرط عليه السكوت، فقال: { ...فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا - } [سورة الكهف: من الآية 70 ] .
وبالجملة فكل متعلم استغنى بنفسه رأيا واختيارا دون اختيار المعلم فاحكم عليه بالخيبة والخسران .
8-أن يحذر المتعلم الإدلال على من يعلمه وإن أنسه وطالت صحبته معه، لأن الإدلال على العلماء من فعل الجهال، وفيه فساد الأحوال .
وليحذر المتعلم استهانة معلمه ولو وجد في نفسه استغناء، فإن في ذلك كفرا لنعمته واستخفافا بحقه .
ومع هذا فلا ينبغي له أن يحملنه معرفة الحق له حتى يقبل كل شبهة أتت من جهة معلمه، ولا يدعوه ترك الإعنات (¬1) له على التقليد فيما أخذ عنه؛ فإنه ربما غلا بعض الأتباع في عالمهم حتى يروا أن قوله دليل وإن لم يستدل. وليكن المتعلم معتدل الرأي فيمن يأخذ عنه حتى لا يحمله الإعنات على اعتراض المبكتين (¬2) ، ولا يبعثه الغلو على تسليم المقلدين، فإذا فعل ذلك برئ من المذمتين، وسلم العالم من المحنتين، فليس كثرة السؤال فيما التبس إعناتا، ولا ما صح في النفس تقليدا .
¬__________
(¬1) - الإعنات: دخول المشقة . ( النامي )
Bogga 4
(¬2) - التبكيت: الغلبة بالحجة . ( النامي ) وربما تتبع نفس المتعلم من بعد عنه من العلماء استهانة بمن قرب منه، وطلب ما صعب احتقارا لما سهل عليه فلا يدرك محبوبا ولا يظفر بطائل .
وينبغي للمتعلم أن يكون في طلب العلم راغبا في ثواب الله راهبا من عقابه. فإذا اجتمعت فيه الرغبة في ثواب الله، والرهبة من عقابه أدياه إلى كنه حقيقة العلم وحقيقة الزهد، فإذا اقترن العلم والزهد فقد تمت السعادة وعمت الفضيلة، وإن افترقا فيا ويح مفترقين ما أضر افتراقهما وأقبح انفرادهما .
9-ينبغي لطالب العلم ألا يقصر في طلب وينتهز الفرصة ولا يشتغل بالفراغ فإنه من الفراغ تكون الصبوة .
وينبغي له أن يبتدئ العلم من أوله ويأتيه من مدخله، ولا يتشاغل بطلب ما لا يضر جهله فيمنعه ذلك من إدراك ما لا يسع جهله، فإن لكل علم فضولا مشغلة إن صرف إليها نفسه قطعته عما هو أهم منها .
وينبغي ألا يغفل في الصغر عن التعلم لأنه أحمد من التعلم في الكبر .
ولكن تعلم الكبير أوجب لأن الأولى به أن يكون شيخا متعلما لا شيخا جاهلا؛ لأن الصغير أعذر وإن لم يكن في الجهل عذر .
وينبغي للمتعلم أن يشعر قلبه الصبر على معاناة الحفظ، ولا يستثقل الدرس والحفظ ويتكل بعد فهم المعاني على الرجوع إلى الكتب والمطالعة فيها عند الحاجة إليها . (¬1)
ومع هذا فلا ينبغي للمتعلم أن يعتمد على حفظه وتصوره ويغفل عن تقييد العلم في الكتب فإن هذا منه خطأ وغلط؛ لأن التشكيك معترض، والنسيان طارئ .
10-بعض الشروط التي يتوفر بها علم الطالب بعد عون الله تعالى وحسن توفيقه وهي:
-الذكاء الذي به يستقر حفظ ما تصوره، وفهم ما علمه، فإذا حفظ علمه بعد الفهم استقر وأنس، وإذا ذاكر به بعد القرار رسا وثبت . (¬2)
¬__________
(¬1) - قيل: حرف في قلبك خير من ألف في كتبك .
(¬2) - قيل: من أكثر المذاكرة بالعلم لم ينس ما علم، واستفاد ما لم يعلم .
Bogga 5
-الشهوة التي يدوم بها الطلب، ولا يسرع إليه الملل؛ لأن من صدقت شهوته في العلم، وبعدت همته في الطلب. لابد أن يشعر قلبه الصبر بقوة شهوته ويشعر جسده احتمال التعب لبعد همته، فيعقبه ذلك إلحاح الملحين الآملين، ونشاط المدركين، فقل عنده كل كثير، وسهل عليه كل عسير .
-الفراغ من العلائق؛ لأن به يكون التوفر في الطلب . (¬1)
-عدم القواطع المذهلة من هموم وأشغال وأمراض .
-الظفر بعالم سمح بعلمه، متأت (¬2) في تعليمه، صادق في كل كلامه، بصير بفنون العلم، ناصح للمتعلم؛ فإذا ظفر بمعلم ناصح ذي دين، فعليه أن يوقره ويتذلل لديه بحسن التأدب، فبذلك ينال بغيته منه إن شاء الله .
-تقوى الله - عز وجل - وهو رأس كل بر وبه ينال المتعلم مقصوده من الخير في الدنيا والآخرة، قال الله - سبحانه وتعالى - : { واتقوا الله ويعلمكم الله } [سورة البقرة: الآية 282 ]؛ وبالله التوفيق .
¬__________
(¬1) - قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك .
(¬2) - متأت في تعليمه: مترفق فيه . ( النامي )-الشهوة التي يدوم بها الطلب، ولا يسرع إليه الملل؛ لأن من صدقت شهوته في العلم، وبعدت همته في الطلب. لابد أن يشعر قلبه الصبر بقوة شهوته ويشعر جسده احتمال التعب لبعد همته، فيعقبه ذلك إلحاح الملحين الآملين، ونشاط المدركين، فقل عنده كل كثير، وسهل عليه كل عسير .
-الفراغ من العلائق؛ لأن به يكون التوفر في الطلب . (¬1)
-عدم القواطع المذهلة من هموم وأشغال وأمراض .
-الظفر بعالم سمح بعلمه، متأت (¬2) في تعليمه، صادق في كل كلامه، بصير بفنون العلم، ناصح للمتعلم؛ فإذا ظفر بمعلم ناصح ذي دين، فعليه أن يوقره ويتذلل لديه بحسن التأدب، فبذلك ينال بغيته منه إن شاء الله .
-تقوى الله - عز وجل - وهو رأس كل بر وبه ينال المتعلم مقصوده من الخير في الدنيا والآخرة، قال الله - سبحانه وتعالى - : { واتقوا الله ويعلمكم الله } [سورة البقرة: الآية 282 ]؛ وبالله التوفيق .
¬__________
(¬1) - قيل: العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك .
(¬2) - متأت في تعليمه: مترفق فيه . ( النامي )
----NO PAGE NO------
Bog aan la aqoon