وقال في المؤاخاة:
لا تواخ أحدًا إلَّا على اختبار منك (٤٦) له، وارتضاء منك به واتفاق منه لك فإذا اتفق أمركما كذلك.
فأعلم أن كلا كما يُحسن ويُسئ ويصيب ويخطئ ويحفظ ويضيع فوطِّن نفسك على الشكر إذا حفظ وعلى الصبر إذا أضاع وعلى المكافأة إذا أحسن وعلى الاحتمال والمعاتبة إذا أساء، فإن معاتبة الصديق إذا أساء أحب إلى الحليم من القطيعة في معاشرة من تواخيه.
وفى ذلك أقول شعرًا:
وإذا عتبت على امرئ أحببته ... فتوق صابر عَتَبه (٤٧) وشبابه
وألن جناحك ما استلان لوده ... وأجب أخاك إذا دعا لجوابه
واحرص أن يُعرفك موقعك من كل أحدٍ حتَّى من أبيك وأمك فإن من السخافة أن يكون لأخيك فيما يحب ويكون لك فيما يكره، وما أقبح أن يكون له فيما يكره ويكون لك فيما يحب.
واعلم أن من تنفعك صداقته ولا تضرك عداوته [هو] الكريم الذى إن أحسنت إليه كافأك، وإن أسأت إليه عاتبك، وأما من يضرك عداوته ولا تنفعك صحبته فهو الجاهل السفيه اللئيم.
وفي ذلك أقول شعرًا:
من النَّاس من إن يرض لا ينتفع به ... ولكن متى سخط فما شين من فرر
ضعيف على الأعداء لكن قلبه ... أشد إذا لاقى الصديق من الحجر
_________
(٤٦) بالأصل (منه) ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٤٧) عتبه: من عتب وعتب عليه عتبًا وعتابًا: لأمه وخاطبه مخاطبة الإذلال طالبًا حسن مراجعته ومذكرًا إياه كما كرهه منه. الوسيط (٢/ ٥٨١).
1 / 29