إن جلس إلى العلماء لم يزدد إلا جهلًا وإن جلس إلى الحكماء لم يزدد إلا طيشًا (١١)، وإذا جعل نفسه المحدِّث لهم يكلفهم أن يكونوا المنصتين له.
أعيى الناس إذا تكلم، وأبلدهم إذا تعلم وأصحبهم لمن يشينه وأرفضهم لمن يزينه وأشدهم في موضع اللين وألينهم في موضع الشدة وأجبنهم في موضع الشجاعة.
إن افتقر عجب من الناس كيف يستغنون وإن استغنى عجب من الناس كيف يفتقرون، لا يفهم إن حدثته ولا يفقه إن أفهمته، ولا يقبل إن وعظته، ولا يذكر إن ذكرته.
وفى ذلك أقول شعرًا:
المرء يصدع (١٢) ثم يشفى داؤه ... والحمق داء ليس منه شقاء
والحمق طبع لا يحول مركب ... ما إن لأحمق فاعلمن دواء
[بيان أثر الهوى على الإنسان وفضل العقل]
وقال في ذكر الهوى:
إن من الناس إذا هوى عمى، ومنهم مَن إذا هوى أبصر مرة وعمِى أخرى، ومَن إذا هوى لم يكد يخفى عليه شئ وهو اللبيب العاقل الحليم الكامل الذى إن أعجبه أمر نظر إلى هواه وعقله
_________
(١١) طيشًا: من طاش - طيشًا وطيشانًا: اضطرب وانحرف وطاش عقلُه: خفَّ وتشتت فجهل أو أخطأ. الوسيط (٢/ ٥٧٤).
(١٢) يصدع: من الصُّدَاع: وهو وجع في الرأس تختلف أسبابه وأنواعه. الوسيط (١/ ٥١٠).
1 / 15