ثم لعله هو، زيادة على ما لقي من عائلته، ينتمي إلى طائفة محرومة الحقوق، فإن تمرده هنا يزيد اشتعالا، وعندئذ تنبعث نفسه نحو النور أينما وجده، فهو ليس عدو الملك الظالم أو الوزير الفاجر أو الحزب الماكر فقط، وإنما هو أيضا عدو القرون الماضية التي حملت الظلم إلى عصره حتى قاساه، ولذلك هو يكافح الرجعية الراسبة كما يكافح الظلم المتوثب.
وهو إذا كان كاتبا وجد القدرة على التعبير والوسيلة إليه، وعندئذ يعود التفريج الشخصي عنده تفريجا عاما عن المضطهدين والمسحوقين.
وليس من الضروري، كما قلت، أن يكون الكاتب قد عاش واختبر بنفسه بعض الاضطهادات حتى يحتضن الحريات والحقوق من أجل الشعب كله؛ لأننا يمكن أن نعيش بأفكارنا وعواطفنا لوطأة ما يحيط بنا في غيرنا.
ولكني أعتقد مع ذلك أنه لا بد من ناخس قديم في الطفولة يغرس التمرد في التربة العائلية الأولى، ثم يجد هذا التمرد الغذاء في اضطهادات شعبية تنتقل إليها عواطف الطفولة من هذا الناخس القديم، أي لا بد من مرض أو جرح، حتى إذا صارت الكتابة حرفة، صارت الحقوق والحريات الشعبية منهجا وهدفا للكاتب. •••
ولا أزعم أني استنفدت التحليل للبواعث التي تعين للكاتب أسلوبه وهدفه، ولكني أردت الإيماء إليها فقط، ويمكن القارئ أن يتوسع فيما لا أجد الفرصة للتوسع فيه من تأمل حياة الكتاب والأدباء وأثر ذلك فيما كتبوا.
وأنا لا أعرف مكاني في مصر بين الكتاب، ولكني أعرف اهتماماتي التي عينت أسلوبي.
فقد كان أول ما كتبت في حياتي مقال في المقتطف في سنة 1909 وأنا حوالي العشرين عن «نيتشه»، وهو أعظم ثائر متمرد على أكبر السلطات وأعظمها.
ثم ألفت كتيبا عن «الاشتراكية»، وهي بلا شك تحيز وانتساب إلى الشعب، وكان هذا في 1912.
ثم أخرجت مجلة «المستقبل» في 1914 فكان معظم مقالاتها عن نيتشه وعن الاشتراكية.
وفي 1925 عيرني كاتب رأسمالي بقوله «سلامة موسى المراحيضي»؛ لأني دعوت إلى سن قانون لإيجاد مراحيض في منازل الفلاحين، ولم تكن ملايين الفلاحين في وجدانه، ولكنهم كانوا في وجداني.
Bog aan la aqoon