فأجاب: هذا والله هو ما يجب، ولكني غير قادر على أن أبوح، ومن هنا كظمي وعجزي.
فقال الدكتور «ص»: أنت تبالغ حين تعتقد أن الجمهور يكره آراءك، وظني أن جمهور قرائك الذين يعرفون إخلاصك سيقبلون كلماتك بنفس الإخلاص الذي تجد إلهامه أنت حين تكتب.
فقال الأستاذ «س»: تنقصني الشجاعة.
فقال الدكتور «ص»: هذا واجبك لنفسك كي تشفى من عقدتك، وإضرابك من مواجهة المشكلة لن يزيلها، وهذا واجبك للشعب الذي تخدمه كي يعرف الحقائق، وهو حر بعد ذلك في قبولها أو رفضها، وهو حين يرفض ينقلك من الشك إلى اليقين، وهنا راحة؛ لأن اليأس خير من الشك.
ونهض في فراشه، وكان مستلقيا، وأحس دبيب الانفراج يسري في قلبه، وقال: نعم، سأؤجل كتابي عن الحب، وسأشرع في نفض توتراتي جميعها، سأنفضها بغبارها، وسأقول: لماذا لا يمكنني، بل لا يمكن أي كاتب في مصر أن يؤلف كتابا حسنا؛ ذلك لأنه ليس حرا فيما يريد تأليفه، وليست الحكومة بقوانينها هي وحدها علة هذه الحال، بل المجتمع هو العلة الأصلية؛ لأنه بعاداته يعوق التفكير الحر والرأي الجديد، وسيكون كتابي هذا اعترافاتي التي يفيض بها قلبي.
ثم صمت، وقال: ليس المجتمع هو العائق، وإنما هم النقاد الجهلة؛ لأن الجمهور يعرف ويقدر الإخلاص في كتابه.
وجمع الأستاذ «س» حاجاته وسافر إلى الإسكندرية، وهناك في فندق ناء على الرمل شرع يستجم، ويستلقي على ظهره في السرير في حضانة ذهنية لمؤلفه الجديد.
وجعل يهب من وقت لآخر إلى المنضدة الصغيرة فيدون كلمات على ورقة، ثم يهب فيمزقها ويكتب غيرها، وكان بعض العناوين التي كتبها: «لماذا تفشل العائلة؟» و«نحن صغار فكيف نكبر وننضج؟» و«نحن أقدم من القدماء»، و«مصر بعد مائة سنة»، و«لا تخنقوا المفكرين المقلقين»، و«كلمة عن ابن حزم والحب».
وكتب نحو عشرين عنوانا، وشرع يؤلف كتابه في حماسة وسرعة لم يعهد مثلهما من قبل.
وظهر الكتاب، وكان مليئا بالاعترافات، وقرأه الجمهور في لهفة، وتقبله الناقدون في سباب وبذاء، وعرف المؤلف أن توتراته كانت من اعتقاده المخطئ عن الجمود الذي كان يصف به الجمهور.
Bog aan la aqoon