أيها القارئ، ادرس الكتاب الأول الذي ألفه المؤلف، وهو حياته، بل طالبه بذلك، حتى يخرج كتابا يبين فيه المبررات التي حملته على أن يسلك سلوكا معينا في السياسة أو الاجتماع أو الاستعمار أو غير ذلك.
إن الكاتب الذي يقف موقف الإرشاد والتوجيه يجب عليه أن يبسط لنا حياته ويوضح لنا أخطاءه ويبين أعذاره، كما عليه أن يدلنا على الأثر الذي تركته ثقافته في شخصه وكانت عاملا في تكوين شخصيته؛ وذلك كي نقرأ حياته فنتربى بقدوته.
إن حياة الأديب جزء من مؤلفاته، بل هي أعظمها.
هكذا أفهم الأدب كما يجب أن يكون في مصر. •••
وأخيرا قد يسألني القارئ: إذا كان هذا هو الأدب، فما الفرق بين المقال الأدبي والمقال الاجتماعي؟
الفرق أن الأدب فن، وأساس الفنون جميعها هو الطرب، فأبيات الشعر إذا لم تطربنا فليست شعرا، وإذا لم نطرب من القصة فليست أدبا، واللحن الموسيقي مثل المبنى العظيم، أو التمثال الرائع، كل هذه يجب أن تطربنا.
ولكن اللحن وحده، في الغناء مثلا، لا يكفي لأن يجعل من الغناء فنا؛ إذ يجب أن نتذوق المعاني الرائعة في الغناء مع اللحن، وكذلك الطرب وحده في أشعار أبي نواس لا يجعل منها فنا؛ لأن معانيها زرية.
يجب في الأدب أن نصل إلى الطرب، عن طريق الجهاد الروحي والجد الرفيع للسمو بالإنسانية.
الأدب دين والأدباء كهنته
لكل أمة خصائصها التي تستوعب نشاط أبنائها، والشباب والطلبة هم أعظم من يمثلون هذه الخصائص، ففي إنجلترا نجد العناية الكبرى بالرياضة ومبارياتها، وأحيانا تستوعب أخبارها أكثر من صفحتين في الجرائد اليومية، ولكننا لا نجد في فرنسا مثل هذه العناية بالرياضة، وإنما نجد في مكانها عناية بالأدب.
Bog aan la aqoon