وهاتان النزعتان تتضحان في الأدب العربي العصري، فإن مما لا شك فيه أن الانفراديين يحبون أبا نواس والمتنبي ويكرهون أشد ما يكرهون أي اتجاه اشتراكي للارتقاء بالعمال، ولكن هناك أيضا أولئك الذين ينزعون النزعة الاجتماعية، وهم لا يطيقون أبا نواس أو المركيز دوساد أو النزعة الانفرادية في المتنبي، وهم في الغالب اشتراكيون.
ونحن ندعو في أيامنا إلى أن يكون الأدب للحياة، أي للشعب، أي للمجتمع، أي للإنسانية، وأن تكون للأديب رسالة يؤديها كما يؤدي النبي رسالته، وكل هذه المعاني بعيدة عن شعراء العرب مع استثناء المعري؛ ولذلك لا يمكن الأديب المصري العصري أن يستلهم الأدب العربي القديم.
أبو نواس والصحة الاجتماعية
نحن نظلم بلا شك أبا نواس حين نزن أدبه بالموازين العصرية، ولكن ما دامت أشعاره تطبع وتقرأ في عصرنا، وقد يقرؤها شبابنا وفتياتنا، فإن من حقنا أن نزنه بالموازين العصرية.
ومن حقنا أن نسأل أول ما نسأل: هل يعد أبو نواس أديبا مسئولا؟
واعتقادي، على الرغم من الكثيرين الذين يخالفونني، أن الأديب يجب أن يكون مسئولا، وأن يحس هذه المسئولية في كل ما يكتب، شأنه في ذلك شأن أي إنسان آخر.
يحس أنه مسئول عن معاني الشرف والخير والحب أمام المجتمع وأمام الإنسانية.
ولكن الذي أجده أني أستطيع أن أقرأ أبا نواس وأنا منفرد في مكتبي، ولا أجيز لنفسي أن أتحدث عن أشعاره مع شاب أو فتاة، بل لا أحب أن يقرأ شاب أو فتاة هذه الأشعار إلا إذا كان أحدهما يدرسها باعتبارها تاريخا وليست فنا، أي أنه يريد استخراج العبرة السيكلوجية أو الاجتماعية منها.
ولست أعني بقولي هذا أن يمنع طبع هذه الأشعار أو هذه النوادر التي تقص علينا حياته، وإن كنت ألاحظ أن الرقيب الحكومي قد حذف عددا كبيرا من الأبيات اشمأز من معانيها وأحس أنه يجب ألا يقرأها شاب أو فتاة، وهو في ذلك معذور؛ لأنه مسئول؛ لأننا لا نحب أن يترنم شبابنا بأبيات لها حلاوة الإيقاع بشأن معان جنسية فاسقة.
ذلك لأن الكلمة فكرة، والفكرة عاطفة، والعاطفة عمل.
Bog aan la aqoon