إن نهضة الأدب هي نهضة الحياة، ولن ينهض الأدب إلا إذا كان الأدباء أنفسهم ناهضين.
ووزن القيم الفنية لا يختلف عن وزن القيم الأخلاقية.
والشرط الأول في الأديب أن يكون إنسانيا، يعمل لنهضة الشعب، ولتغيير قيمه الأخلاقية بما يفضلها.
فما هو مكان أدبائنا من كل ذلك؟ ما رسالة كل منهم؟
لما تفاقمت حركة الإخوان المسلمين، وشرعت الحكومة تتعقبهم بالمحاكمات، كتبت هذه الكلمة التالية في الأخبار (سنة 1954) بعنوان «الأدب المرتبط »:
يستطيع الأدباء الذين كتبوا ودعوا إلى أن يكون الأدب في خدمة المجتمع والحياة والإنسانية أن يقولوا الآن: «ألم نقل لكم ...؟»
نعم يستطيعون ذلك ويجدون في الظروف القائمة وفي الثورة السوداء التي تعالجها الحكومة في هذه الأيام ما يبرر هذا السؤال.
إذ لو أن الأدب كان في خدمة المجتمع، يعالج مشكلاته، ويدعو إلى الإصلاح الاجتماعي، ويدافع عن حرية الضمير، ويطلب المساواة بين الرجل والمرأة، وينادي بالإنسانية بين أبناء البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم، ولو أن الأدباء كانوا على وجدان بمعنى الحضارة العصرية التي تعتمد على حقائق العلم وليس على التقاليد والعادات، ولو أنهم كانوا يعرفون عبارة «الأدب المرتبط» أي الذي يرتبط بالمجتمع فيحس الأديب أنه مسئول عن مجتمعه وأنه إمامه الذي يقوده ويرشده وينشد صلاحه وخيره، أقول لو أن أدباء مصر كانوا يربطون أدبهم بالمجتمع المصري لما وقعنا في هذه الكارثة التي نتخبط فيها هذه الأيام.
فهذه الثورة السوداء إنما يقوم بها شبان يقرءون الصحف والكتب، ولو أن الأدباء كانوا قد صوروا لهم الدنيا الجديدة، دنيا الخير والبر والصلاح، كما كان يجب أن يصوروها، ولو أنهم كانوا قد وجهوهم إلى النظر في بؤس بلادهم وفقر فقرائهم، ورسموا لهم خطط الإصلاح، واشتغلوا بهمومهم، وبعثوا اهتماماتهم إلى المستويات الإنسانية العالية، لكانوا - أي هؤلاء الشبان - قد وجدوا في آمال الخير التي ترسم لهم ما يغذو نفوسهم ويحملهم على الاتجاه السديد لخدمة مجتمعهم.
ولكن للأسف لم يجد الشبان هذا التوجيه، وإنما وجدوا مؤلفات للأدباء عن ابن الرومي وأبي نواس والمتنبي والمأمون وغير هؤلاء ممن لا يرتبطون بمجتمعنا العصري بأي ارتباط، ولا نستطيع أن نستخرج من حياتهم وأعمالهم العبرة الاجتماعية أو الإنسانية لحياتنا العصرية.
Bog aan la aqoon