ولا أعتقد أني أحتاج إلى أن أشرح النزعة الإنسانية في الأدب، ولكن عندنا كثيرين ممن يزعمون أنهم أدباء كبار، وكل تقاليدهم من الأدب مدائح المتنبي لسيف الدولة، وقبائح ابن الرومي الجنسية والبرازية، وخمريات أبي نواس ولوطياته، ونحو ذلك، ولهؤلاء أقول: إن الإنسانية في الأدب تعني مكافحة الظلم والجهل والفقر، والأديب الذي يتخذ هذا المذهب الإنساني تعود حياته نفسها أدبا؛ لأنه مكافح.
وفي عصرنا الحاضر تتمثل هذه النزعة الإنسانية في المذهب الاشتراكي الذي يحاول دعاته إنصاف المظلومين وإغناء الفقراء ومساواة الجنسين ومحو التعصبات العدوانية، سواء أكانت دينية أم عنصرية أم طبقية، واستخدام العلم لإشعاع النور في الأذهان، والرفاهية في المدن والقرى، وتحطيم القيود التي تحد من الحريات، سواء أكانت قيود الخرافات أم قيود الحكومات، الإنسانية في الأدب هي مزاج نفسي، وأيما أديب خلا منها يعود تافها أو شريرا.
وعندنا، مع الأسف العميق، كثير من الأشرار والتافهين في الأدب، أولئك الذين أيدوا الظلم ودافعوا عن الظلام، وطالبوا بتقييد الحريات، وعارضوا المساواة بين الجنسين، واحتقروا الشعب ووصفوه بأنه رعاع وغوغاء.
هؤلاء الأدباء قد بصقوا على وجه الإنسان وجحدوا الولاء للبشر وكفروا بالقيم العالية في الأخلاق، وهذه القيم العالية في الأخلاق هي في النهاية، القيم العالية في الآداب والفنون.
نحتاج إلى كتاب شهداء
قبل نحو عام تقريبا كتبت مقالا بهذا العنوان وسلمته لإحدى المجلات، فرده إلي رئيس التحرير وهو يقول: إن الجمهور لا يتحمل كل هذا الذي قلته. وتناولت المقال منه ووضعته على الرف في أسف وحزن.
وقد تذكرت هذا المقال في الأسبوع الماضي وأنا أقرأ ما يكتبه القائمقام أنور السادات بعنوان «نحو بعث جديد»، فإنه فكر وتجرأ، فكتب كلمات من نور كان لا بد أن يسمعها الجمهور المصري من رجل مخلص أمين، ورأيت أنا عندئذ أن أنبش عن مقالي المطروح، فإن أنور السادات بمقالاته الرائعة قد أتاح لي الفرصة لأن أنشره على القراء.
وقبل ذلك أنقل بعض ما قال هو، وهو إذا لم يكن تلخيصا لما كتبه، فإنه على الأقل يعين معالم الطريق في تفكيره الإصلاحي الذي أعتقد أنه كان يجب أن يكون تفكير الأدباء والكتاب قبله، وهو ما أهملوه؛ لأنهم انقادوا بالعامة بدلا من أن يقودوها، قال:
وأنا لا أنسى حادثا وقع أمام عيني ذات يوم هنا في مصر ... فقد رأيت شابا متعلما ينتمي إلى إحدى الهيئات المعروفة في إحدى المناسبات، وكانت هناك سيدة فاضلة في المكان، صافحناها جميعا - نحن الرجال - وكان زوجها طبعا معنا ... وعندما مدت السيدة الفاضلة يدها إلى ذلك الشاب لتصافحه ارتد إلى الوراء مذعورا كأن إنسانا يهاجمه ليقتله، ورفض أن يصافح السيدة.
وسألناه لماذا؟! والحيرة تستبد بنا، ففهمنا منه أن الذين يوجهونه في الحياة ويخضع لهم في نشاطه وفي أفكاره قد أكدوا له أن محمدا الرسول «المناضل الحر» لم يضع يده في يد امرأة.
Bog aan la aqoon