وروى الشيخ أبو الفرج في ((تاريخه الكبير)) بإسناده عن الحسن بن سفيان النسوي الحافظ، أنه كان مقيما بمصر مع جماعة من أصحابه يكتبون الحديث، فاحتاجوا فباعوا ما معهم، حتى لم يبق لهم ما يباع، وبقوا ثلاثة أيام جياعا لم يجدوا شيئا يأكلون، وأصبحوا في اليوم الرابع، وقد عزموا على المسألة؛ لشدة الضرورة، فاقترعوا على من يسأل لهم، فخرجت القرعة على الحسن بن سفيان، قال: فتحيرت ودهشت، ولم تسامحني نفسي بالمسألة، فعدلت إلى زاوية المسجد أصلي ركعتين طويلتين، وأدعو الله -عز وجل- لكشف الضر، وسياقة الفرج، فلم أفرغ من الصلاة حتى دخل المسجد رجل معه خادم في يديه منديل، فقال: من بينكم الحسن بن سفيان؟ فرفعت رأسي من السجود، وقلت: أنا، فقال: إن الأمير ابن طولون يقرئكم السلام والتحية، ويتعذر إليكم في الغفلة عن تفقد أحوالكم، والتقصير الواقع في رعاية حقوقكم، وقد بعث إليكم بما يكفي نفقة الوقت، وهو زائركم غدا، ومعتذر إليكم بلفظه، ووضع بين يدي كل واحد منا صرة فيها مئة دينار، قال: فتعجبنا وسألناه عن السبب، فقال: إنه كان اليوم نائما، فرأى فارسا في الهواء يقول له: قم فأدرك الحسن بن سفيان وأصحابه؛ فإنهم منذ ثلاثة أيام جياع في المسجد الفلاني، فقال له: من أنت؟ فقال: أنا رضوان صاحب الجنة، قال الحسن: فشكرنا الله -عز وجل-، وأصلحنا أحوالنا، وسافرنا تلك الليلة من مصر خشية أن يزورنا الأمير فيطلع الناس على أسرارنا، فيكون ذلك سبب ارتفاع اسم، أو انبساط جاه، ويتصل ذلك بنوع من الرياء والسمعة.
وروى -أيضا- بإسناد له عن محمد بن هارون الروياني: أنه اجتمع هو ومحمد بن نصر المروزي، ومحمد بن علوية الوراق، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، فذكر معنى هذه الحكاية، وأن المصلي الداعي كان هو ابن خزيمة.
وبإسناد آخر، أن الأربعة كانوا: محمد بن جرير، ومحمد بن نصر، ومحمد بن خزيمة، ومحمد بن هارون.
Bogga 111