176

Adab Carab

أدب العرب: مختصر تاريخ نشأته وتطوره وسير مشاهير رجاله وخطوط أولى من صورهم

Noocyada

فهو في شعره يمثل لنا - كما قلنا - دورا يمثل كل يوم. ومما جعل لعمر هذه القيمة الفنية أنه ممثل غير متكلف، على غير ما تراه عند سواه من الشعراء الغزليين الذين جاءوا بعده؛ فإنهم يتكلفون فيما يصورونه لنا من عواطفهم.

فشعره يمثل لنا السذاجة البدوية ولون الحضارة الجديدة، ذلك اللون الجديد «الخفيف» الذي لا يبهر العين فتكرهه ككل لون «غامق» شديد.

يمثل حياة المترفين في الحجاز، بل حياة الطبقة العليا الهادئة الفارغة، وهو لم يتعرض للسياسة. ساعده على اختيار هذا الباب من الشعر غناه، فهو غني وابن غني، ولأبيه ضلع في الحكم على عهد أبي بكر وعمر، عنده مال كثير ورقيق عديد ورثه. فأحد المسلمين عرض على النبي أن يستعين بأحباش ابن أبي ربيعه في إحدى غزواته.

إن شعر عمر يمثل لنا صلة الرجل والمرأة الثريين في ذلك الزمان أصدق تمثيل، وهذه الصلة لا تخلو في كل زمان من لهو ودعابة وعبث وفكاهة. إن مداعبته العابثة لثريا بنت علي بن عبد الله كانت السبب في تسويد سنيه، بعد ضربة كف أكلها من يدها المباركة خواتمها ...

كان لا يهمه من المرأة إلا جمالها، فما رأيناه يذكر لنا نفسها ولا جمالها المعنوي، ولا عجب في ذلك؛ فقد كان على ما يظهر من شعره سطحي الحب، ينتقل من زهرة إلى زهرة؛ ولذا لم يصف في شعره إلا الجمال الجسدي الذي كان يراه المثل الأعلى للأنثى، وهو لم يحدثنا إلا عن الميول والأهواء الطبيعية والأشياء التي يعرفها الإنسان بالغريزة، فكل بحثه تقريبا يحوم حول العلاقة الجنسية التي هي في نظره - على ما أظن - كل الغاية من وجود الأنثى.

لقد وصف المرأة وتغنى بجمالها وتأثيرها فيه وفي حياته، كما أنه كان يفهم موسم الحج معرضا للجمال - كما يفهم أكثر شباننا اليوم بعض الاجتماعات الدينية - فيتزين عند بدء الموسم كما يتزينون، ويترصد كما يترصدون، ويلقي في آذان المارات كما يلقون.

إن عمر حسي صادق مع تنقل دائم، وأما شعره فتطور، بدليل ما قاله عنه جرير: «ما زال هذا القرشي يهذي حتى قال الشعر.»

يختلف شعر عمر عن شعر المحرومين القليلي الحظ، فهو غير شقي في حبه ولا تاعس الجد ولا بكاء، فنقرأ في سطوره دلائل المسرة والابتهاج، وكأني أرى الابتسامة على فمه حين يصف لنا ما يصف، ثم لم يشعر بفناء ما عشقه إلا في آخر العمر.

يتكلم كمن يشعر بقوة وسلطان على النساء. ونستطيع أن نقول إن آثار الابتهار بادية في شعره. ولماذا لا يبتهر وهو القرشي نسبا، ماله كثير وشبابه رائع ومنطقه فصيح، وشعره خلاب، منصرف إلى عمله ... كل الانصراف، هذا العمل الذي أسميناه «مهنته».

والذي أذاع شعره وحفظه من الضياع - بخلاف شعر جميل - مصادفته هوى النفوس، وموافقته ميول الناس. والحب حديث البشرية منذ وجدت وسيظل، ولذلك وضعوا له النظم الاجتماعية والدينية التي قلما رأينا شاعرنا هذا يحترمها.

Bog aan la aqoon