Adabka Caruurta: Hordhac Gaaban
أدب الأطفال: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
وحتى أواخر القرن العشرين، كان هناك نوع من الاتفاق غير المكتوب بألا تشتمل كتب الأطفال على الجنس أو اللغة البذيئة أو العنف غير المبرر، على أساس أن الكتابة للأطفال هي جزء من عملية التربية الاجتماعية؛ ولذا يجب أن تقدم نماذج طيبة، وتساعد القراء على تعلم السلوكيات المقبولة، التي ستساعدهم - على الأرجح - على عيش حياة ناجحة ومرضية. كما كانت هناك نزعة لتجنب النهايات الكئيبة، على افتراض أن الصغار يحتاجون للشعور بالثقة في المستقبل، وفي قدرتهم على التغلب على العقبات. ومع تغير الأفكار المتعلقة بالطفولة، انهار الإجماع على هذه الخصائص بشكل كبير، ولا سيما بالنسبة للقراء الأكبر سنا الذين لم يعتبروا في معظم فترات تاريخ أدب الأطفال جزءا من الجمهور الذي يستهدفه هذا النوع من الكتب . وقد مثل دمج الكتابة للمراهقين داخل أدب الأطفال تحديا للكثير من الافتراضات المتعلقة بأدب الأطفال، والتي ظلت سائدة لفترة طويلة؛ ونتيجة لذلك، يوجد الآن عدد كبير من كتب الأطفال المعقدة من ناحية الأسلوب، والتي تتضمن تلميحات جنسية وسبابا وعنفا عشوائيا، والتي تنتهي نهاية كئيبة. ومع تحرك النطاق العمري الذي يستهدفه أدب الأطفال بانتظام إلى أعلى، وبعد أن أصبحت القصص مختلطة الجمهور أكثر شيوعا، أصبح مسمى «أدب الأطفال» إشكاليا بشكل متزايد.
وما يساهم في زيادة إشكالية أدب الأطفال هو حقيقة أن الكتابات الجديدة تتواجد جنبا إلى جنب مع الكتابات المتراكمة المخصصة لصغار القراء. على سبيل المثال، الكثير من ناشري كتب الأطفال لديهم قوائم ضخمة بالكتب القديمة، والتي عادة ما تتضمن أعمالا «كلاسيكية» مثل «أطفال الغابة الجديدة» (1847)، و«نساء صغيرات» (1868)، و«بينوكيو» (1883)، و«الحديقة السرية» (1911)، والتي تم تأليفها عندما كانت الأفكار المتعلقة بالطفولة مختلفة للغاية. ولا تتعلق الاختلافات فقط بالكيفية التي نفهم بها الأطفال؛ فبالنسبة للأعين المعاصرة، عادة ما تبدو الطريقة التي كتب بها الكثير من الأعمال القديمة - والتي تدرج عادة في الدارسات التاريخية لكتب الأطفال - بعيدة كل البعد عن أن تكون قصيرة وبسيطة وحيوية وموجهة للأطفال، والأمثلة الواضحة على ذلك هي تلك الكتب التي أضافها الأطفال إلى قائمة قراءاتهم عندما لم يكن أمامهم الكثير من الروايات الأخرى لكي يقرءوها، كتب مثل «رحلة الحاج»، أو «رحلات جاليفر»، أو «الفارس الأسود» (1819). والكتب التي كتبت «خصوصا» للأطفال وكانت شديدة الرواج بين القراء الصغار في وقت نشرها تعقد الصورة بشكل أكبر، ومثال على ذلك رواية «عالم واسع، واسع جدا» (1850) لإليزابيث ويذريل، والتي تعد عملا ذا أبعاد ملحمية وأسلوب ديني مذهل. وحقيقة أن الكثير من هذه الأعمال لم تعد تقرأ اليوم إلا في المناهج الجامعية حصريا - هذا إن كانت تقرأ من الأساس - قد فتحت الباب للجدل حول ما إذا كان لا يزال من الجائز أن نعتبرها جزءا من أدب الأطفال أم لا.
وعلى الجانب الآخر، فإن محاولات ضمان أن النصوص الموجهة للأطفال مناسبة على أساس بساطة اللغة والأسلوب قد باءت بفشل متكرر، فما الذي يمكن أن تفعله أو تقوله عن رواية بياتريكس بوتر، «حكاية الأرنب بيتر» (1902) التي لا تزال محبوبة بشدة، والتي «تناشد» فيها العصافير الأرنب بيتر بأن «يخلص» نفسه بعد أن تعلقت أزرار قميصه في شبكة نبات عنب الثعلب الخاصة بالسيد ماكريجور؟ (وقد قيم بعض التربويين الأمريكان المفردات المستخدمة في رواية بياتريكس بوتر بأنها مناسبة لأولئك الذين يدرسون بالمرحلة الإعدادية وحتى الجامعة). ويعد طول الكتاب أيضا إشكاليا بالقدر نفسه؛ ففي حين أن الكثير من كتب الأطفال الآن أقصر من تلك التي صدرت في الماضي، فإن شعبية سلسلة روايات «هاري بوتر» - التي يزيد طول كل مجلد منها في المعتاد عن 400 صفحة (المجلد النهائي وصل إلى 900 صفحة) - قد فتحت الباب للكثير من سلاسل الروايات الخيالية الطويلة المخصصة للأطفال.
وبالنظر إلى نطاق المواد التي صنفت كأدب للأطفال طوال تاريخ ذلك الأدب، فليس من المفاجئ أنه قد ثبت مدى استحالة الوصول إلى طريقة متسقة لوصف ذلك الأدب وتعيين حدوده. وفي النهاية، فإن كثيرا من العاملين في هذا المجال يتفقون مع جون رو تاونسند - الناقد الأدبي ومؤلف كتب الأطفال - الذي توصل في عام 1971 إلى أن «التعريف العملي الوحيد لكتاب الأطفال في هذه الأيام، هو أنه ذلك الكتاب الذي يظهر في قائمة كتب الأطفال الخاصة بأحد الناشرين». لكن هذا الأسلوب البراجماتي لم يعد مجديا بالقدر نفسه الآن؛ لأن الكتب ربما تظهر في قوائم كتب الكبار والأطفال في الوقت نفسه، كما حدث مع رواية سلمان رشدي «هارون وبحر القصص» (1990)، ورواية إيان ماكيوان «الحالم في النهار» (1994)، ومعظم روايات جاين جاردام، وبالطبع الروايات مختلطة الجمهور لكل من جي كيه رولينج وفيليب بولمان ومارك هادون، والتي ذكرناها من قبل. ويبدو أنه إذا كنا سنتوصل لتعريف لأدب الأطفال، فربما يعتمد ذلك التعريف على الطريقة التي كتب بها النص والموضوع الذي يناقشه، بدرجة أقل من اعتماده على علاقته بالأطفال والطفولة وطريقة صياغته لكل منهما. هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه بيري نودلمان الذي يذكرنا بأن الأطفال والكبار مختلفون ، وأنه مثلما يتوجب على الأطباء وعلماء النفس والمعلمين والمهندسين المعماريين ومصممي الأزياء أن يضعوا احتياجات الأطفال في اعتبارهم، كذلك يتطلب الأطفال أشياء مختلفة فيما يقرءونه. ومع ذلك، فإن ما يتطلبه الأطفال يحدده الكبار استنادا إلى ذكرياتهم عن الأطفال والطفولة، وملاحظتهم عنهما والتفاعل معهما، ومجموعة من المعلومات السابقة والآراء المستقاة والصور عنهما.
الطفل داخل الكتاب وخارجه
رغم أن مصطلحات «الطفل» و«الطفولة» و«الأطفال» و«المراهقة» تستخدم بانتظام فيما يتعلق بأدب الأطفال، فإنه لا توجد نسخة موحدة من أي من هذه المصطلحات، ولا رؤية واحدة للطفولة خلف أدب الأطفال. وبينما كان لتأثير الحركة الرومانسية أثر عميق ومستمر على كثير من جوانب الطفولة في القصص الخاصة بالأطفال، وظهرت سيطرة بعض السمات (مثل إظهار الأطفال كمخلوقات بريئة ومحبوبة وقابلة للتعليم ومتحضرة)، فقد كان هناك أيضا شخصيات أطفال شريرة وقاسية ومتوحشة وغير قابلة للإصلاح. ويتضمن كل جانب من جوانب أدب الأطفال مجموعات متعددة من الأطفال والشباب؛ بداية من شخصيات الأطفال في النصوص الأدبية إلى القراء الأطفال الضمنيين (المتخيلين) ووصولا إلى القراء الحقيقيين من الأطفال. وفي حين أن الشخصيات والقراء الضمنيين ربما يكونون ثابتين على نحو ما، فإن القراء الحقيقيين يتغيرون باستمرار؛ ولذلك فعندما نتعامل مع كتاب من الماضي، فإن مصطلح أدب الأطفال يشمل القراء الذين قرءوه في وقت نشره، وأولئك الذين يقرءونه حاليا، وكل القراء بين هاتين الفترتين.
وكما أشرنا من قبل، فقد اختزل الآن مصطلح أدب الأطفال في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية في الكتابة الموجهة للقراء من سن صفر وحتى 16 عاما (أي منذ لحظة الولادة وحتى السن التي يحق للشخص فيها ترك المدرسة بصورة قانونية)، ولكن هذا الأمر يختلف من دولة لأخرى، وقد تغير أيضا بمرور الزمن؛ فهؤلاء الأطفال يأتون من خلفيات متعددة، وسوف يكون لديهم - كأفراد وأعضاء في مجموعات - مجموعة من الاحتياجات والقدرات والخبرات، إذن، فكما كان من المستحيل تحديد مجموعة واحدة من السمات الثابتة الشائعة في الكتابة للأطفال، فإنه من المستحيل أيضا تحديد الطفل في أدب الأطفال. ومع ذلك ، فإن القصص الموجهة للأطفال تخاطب أشكالا من الطفولة وتكونها، وفي أثناء ذلك، فإنها تؤثر على كيفية فهم الأطفال والطفولة، وبخاصة من قبل الصغار. ومن بين العناصر المحورية لهذه العملية حقيقة أن الكبار هم من يؤلفون أدب الأطفال، وهم يفعلون ذلك طبقا لتوقعاتهم لما يجب أن تكون عليه الطفولة. وبينما قد تتفاوت هذه التوقعات تفاوتا كبيرا من وقت لآخر، ومن مكان لآخر، ومن شخص لآخر، فحقيقة أن الأطفال في أدب الأطفال هم شخصيات رسم ملامحها الكبار قادت ماريا نيكولاييفا (2009) إلى أن تستنج أنه يوجد على الأقل شيء واحد ثابت في أدب الأطفال؛ ما تطلق عليه اسم «معيارية الكبار»، أو الطريقة التي تحكمت بها معايير الكبار في أنماط أدب الأطفال، منذ نشأته وحتى يومنا الحالي. وعلاقة القوة ربما تكون صحيحة، ولكن معايير الكبار ليست أكثر ثباتا من تلك المعايير المحيطة بالطفولة؛ ومن ثم فإن ملاحظة نيكولاييفا تعد أكثر قيمة بسبب مجموعات الأسئلة التي تتمخض عنها من قيمتها كسمة مميزة لأدب الأطفال.
وأيا كانت طريقة تحديدها، فإن الفوائد المكتسبة من دراسة الكتابة للأطفال - سواء كأدب للأطفال أو كجزء من المعارف المتخصصة الأخرى - كثيرة للغاية. ولتوضيح هذا القول، ستتفرغ الفصول المتبقية من هذه «المقدمة القصيرة جدا» بعد مناقشة بعض المناهج التي تستخدم باستمرار في دراسة أدب الأطفال، لتقديم أمثلة للمجالات التي يثير فيها البحث في أدب الأطفال نقاشات أكاديمية أو يزيد منها.
هوامش
الفصل الثاني
Bog aan la aqoon