Adabka Dunida iyo Diinta

Al-Mawardi d. 450 AH
81

Adabka Dunida iyo Diinta

أدب الدنيا والدين

Daabacaha

دار مكتبة الحياة

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1407 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Suufinimo
وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ لِيَكُونَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ تَأْكِيدًا لِأَوَامِرِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ تَأْيِيدًا لِزَوَاجِرِهِ. لِأَنَّ النُّفُوسَ الْأَشِرَةَ قَدْ أَلْهَتْهَا الصَّبْوَةُ عَنْ اتِّبَاعِ الْأَوَامِرِ، وَأَذْهَلَتْهَا الشَّهْوَةُ عَنْ تِذْكَارِ الزَّوَاجِرِ. وَكَانَ إنْكَارُ الْمُجَالِسِينَ أَزْجَرَ لَهَا، وَتَوْبِيخُ الْمُخَاطَبِينَ أَبْلَغَ فِيهَا. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَا أَقَرَّ قَوْمٌ الْمُنْكَرَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مُحْتَضَرٍ» . وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُ فَاعِلِي الْمُنْكَرِ مِنْ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونُوا آحَادًا مُتَفَرِّقِينَ، وَأَفْرَادًا مُتَبَدِّدِينَ، لَمْ يَتَحَزَّبُوا فِيهِ، وَلَمْ يَتَضَافَرُوا عَلَيْهِ، وَهُمْ رَعِيَّةٌ مَقْهُورُونَ، وَأَفْذَاذٌ مُسْتَضْعَفُونَ، فَلَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ أَمَرَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ، مَعَ الْمُكْنَةِ وَظُهُورِ الْقُدْرَةِ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَاهَدَ ذَلِكَ مِنْ فَاعِلِيهِ، أَوْ سَمِعَهُ مِنْ قَائِلِيهِ. وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى مُنْكِرِيهِ هَلْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالشَّرْعِ. فَذَهَبَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ بِالْعَقْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِالْعَقْلِ وَجَبَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْقَبِيحِ، وَوَجَبَ أَيْضًا بِالْعَقْلِ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَدْعَى إلَى مُجَانَبَتِهِ، وَأَبْلَغُ فِي مُفَارَقَتِهِ. وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ﵀ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إنَّ قَوْمًا رَكِبُوا سَفِينَةً فَاقْتَسَمُوا فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَوْضِعًا، فَنَقَرَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَوْضِعًا بِفَأْسٍ. فَقَالُوا: مَا تَصْنَعُ؟ فَقَالَ: هُوَ مَكَانِي أَصْنَعُ فِيهِ مَا شِئْت. فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ فَهَلَكَ وَهَلَكُوا» . وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى وُجُوبِ ذَلِكَ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَوْ أَوْجَبَ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، وَمَنَعَ غَيْرَهُ مِنْ الْقَبِيحِ، لَوَجَبَ مِثْلُهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمَا جَازَ وُرُودُ الشَّرْعِ بِإِقْرَارِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَرْكِ النَّكِيرِ عَلَيْهِمْ،؛ لِأَنَّ وَاجِبَاتِ الْعُقُولِ لَا يَجُوزُ إبْطَالُهَا بِالشَّرْعِ، وَفِي وُرُودِ الشَّرْعِ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ غَيْرُ مُوجِبٍ لِإِنْكَارِهِ. فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي تَرْكِ إنْكَارِهِ مَضَرَّةٌ لَاحِقَةٌ بِمُنْكِرِهِ وَجَبَ إنْكَارُهُ بِالْعَقْلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا. وَأَمَّا إنْ لَحِقَ الْمُنْكِرَ مَضَرَّةٌ مِنْ إنْكَارِهِ وَلَمْ تَلْحَقْهُ مِنْ كَفِّهِ وَإِقْرَارِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ بِالْعَقْلِ وَلَا بِالشَّرْعِ. أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ اجْتِلَابِ الْمَضَارِّ الَّتِي لَا يُوَازِيهَا نَفْعٌ. وَأَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ

1 / 95