Adabka Dunida iyo Diinta
أدب الدنيا والدين
Daabacaha
دار مكتبة الحياة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1407 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Suufinimo
وَبِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَبْدَانِ أَسْمَحُ، وَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ. فَقَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى الصِّيَامِ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَسْهَلُ فِعْلًا، وَأَيْسَرُ عَمَلًا، وَجَعَلَهَا مُشْتَمِلَةً عَلَى خُضُوعٍ لَهُ وَابْتِهَالٍ إلَيْهِ. فَالْخُضُوعُ لَهُ رَهْبَةٌ مِنْهُ، وَالِابْتِهَالُ إلَيْهِ رَغْبَةٌ فِيهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى صَلَاتِهِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ فَلْيَنْظُرْ بِمَا يُنَاجِيهِ» .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ أَنَّهُ كَانَ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ اصْفَرَّ لَوْنُهُ مَرَّةً وَاحْمَرَّ أُخْرَى فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: أَتَتْنِي الْأَمَانَةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلْتهَا أَنَا فَلَا أَدْرِي أَأُسِيءُ فِيهَا أَمْ أُحْسِنُ. ثُمَّ جَعَلَ لَهَا شُرُوطًا لَازِمَةً مِنْ رَفْعِ حَدَثٍ، وَإِزَالَةِ نَجَسٍ؛ لِيَسْتَدِيمَ النَّظَافَةَ لِلِقَاءِ رَبِّهِ، وَالطَّهَارَةَ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ. ثُمَّ ضَمَّنَهَا تِلَاوَةَ كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ لِيَتَدَبَّرَ مَا فِيهِ، مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ، وَيَعْتَبِرَ إعْجَازَ أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ. ثُمَّ عَلَّقَهَا بِأَوْقَاتٍ رَاتِبَةٍ، وَأَزْمَانٍ مُتَرَادِفَةٍ؛ لِيَكُونَ تَرَادُفُ أَزْمَانِهَا وَتَتَابُعُ أَوْقَاتِهَا سَبَبًا لِاسْتِدَامَةِ الْخُضُوعِ لَهُ وَالِابْتِهَالِ إلَيْهِ، فَلَا تَنْقَطِعُ الرَّهْبَةُ مِنْهُ وَلَا الرَّغْبَةُ فِيهِ، وَإِذَا لَمْ تَنْقَطِعْ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ اسْتَدَامَ صَلَاحُ الْخَلْقِ. وَبِحَسَبِ قُوَّةِ الرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ يَكُونُ اسْتِيفَاؤُهَا عَلَى الْكَمَالِ أَوْ التَّقْصِيرِ فِيهَا حَالَ الْجَوَازِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «الصَّلَاةُ مِكْيَالٌ فَمَنْ وَفَّى وُفِّيَ لَهُ وَمَنْ طَفَّفَ فَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا قَالَ اللَّهُ فِي الْمُطَفِّفِينَ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ هَانَتْ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ كَانَتْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ أَهْوَنَ» . وَأَنْشَدْت لِبَعْضِ الْفُصَحَاءِ فِي ذَلِكَ:
أَقْبِلْ عَلَى صَلَوَاتِك الْخَمْسِ ... كَمْ مُصْبِحٍ وَعَسَاهُ لَا يُمْسِي
وَاسْتَقْبِلْ الْيَوْمَ الْجَدِيدَ بِتَوْبَةٍ ... تَمْحُو ذُنُوبَ صَبِيحَةِ الْأَمْسِ
فَلَيَفْعَلَنَّ بِوَجْهِك الْغَضِّ الْبِلَى ... فِعْلَ الظَّلَامِ بِصُورَةِ الشَّمْسِ
ثُمَّ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الصِّيَامَ وَقَدَّمَهُ عَلَى زَكَاةِ الْأَمْوَالِ لِتَعَلُّقِ الصِّيَامِ بِالْأَبْدَانِ.
وَكَانَ فِي إيجَابِهِ حَثٌّ عَلَى رَحْمَةِ الْفُقَرَاءِ وَإِطْعَامِهِمْ وَسَدِّ جَوْعَاتِهِمْ لِمَا عَايَنُوهُ مِنْ شِدَّةِ الْمَجَاعَةِ فِي صَوْمِهِمْ. وَقَدْ قِيلَ لِيُوسُفَ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَتَجُوعُ وَأَنْتَ عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ؟ فَقَالَ: أَخَافُ أَنْ أَشْبَعَ فَأَنْسَى
1 / 90