Adabka Dunida iyo Diinta

Al-Mawardi d. 450 AH
37

Adabka Dunida iyo Diinta

أدب الدنيا والدين

Daabacaha

دار مكتبة الحياة

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1407 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Suufinimo
يُهَانُ؟ فَأَمْسَكَ عَنْ جَوَابِي؛ لِأَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَابَرَ الْمَعْقُولَ، وَلَوْ اعْتَرَفَ لَزِمَتْهُ الْحُجَّةُ. وَالْإِمْسَاكُ إذْعَانٌ وَالسُّكُوتُ رِضًى، وَأَنْ يَنْقَادَ إلَى الْحَقِّ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَسْتَفِزَّهُ الْبَاطِلُ. وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يَقُولُ اعْرَفُونِي وَهُوَ غَيْرُ عَرُوفٍ وَلَا مَعْرُوفٍ وَبَعِيدٌ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الْعِلْمَ أَنْ يَعْرِفَهُ. وَقَدْ قَالَ زُهَيْرٌ: وَمَهْمَا تَكُنْ عِنْدَ امْرِئٍ مِنْ خَلِيقَةٍ ... وَإِنْ خَالَهَا تَخْفَى عَلَى النَّاسِ تُعْلَمْ. وَمِنْ أَسْبَابِ التَّقْصِيرِ أَيْضًا أَنْ يَغْفُلَ عَنْ التَّعَلُّمِ فِي الصِّغَرِ، ثُمَّ يَشْتَغِلَ بِهِ فِي الْكِبَرِ فَيَسْتَحِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِمَا يَبْتَدِئُ الصَّغِيرُ، وَيَسْتَنْكِفُ أَنْ يُسَاوِيَهُ الْحَدَثُ الْغَرِيرُ، فَيَبْدَأُ بِأَوَاخِرِ الْعُلُومِ، وَأَطْرَافِهَا، وَيَهْتَمُّ بِحَوَاشِيهَا، وَأَكْنَافِهَا؛ لِيَتَقَدَّمَ عَلَى الصَّغِيرِ الْمُبْتَدِي، وَيُسَاوِيَ الْكَبِيرَ الْمُنْتَهِي. وَهَذَا مِمَّنْ رَضِيَ بِخِدَاعِ نَفْسِهِ، وَقَنَعَ بِمُدَاهَنَةِ حِسِّهِ؛ لِأَنَّ مَعْقُولَهُ إنْ أَحَسَّ وَمَعْقُولَ كُلِّ ذِي حِسٍّ يَشْهَدُ بِفَسَادِ هَذَا التَّصَوُّرِ، وَيَنْطِقُ بِاخْتِلَالِ هَذَا التَّخَيُّلِ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَقُومُ فِي وَهْمٍ. وَجَهْلُ مَا يَبْتَدِئُ بِهِ الْمُتَعَلِّمُ أَقْبَحُ مِنْ جَهْلِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الْعَالِمُ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: تَرَقَّ إلَى صَغِيرِ الْأَمْرِ حَتَّى ... يُرَقِّيَك الصَّغِيرُ إلَى الْكَبِيرِ فَتَعْرِفَ بِالتَّفَكُّرِ فِي صَغِيرٍ ... كَبِيرًا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الصَّغِيرِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَشْبَاهِهِ كَانَ الْمُتَعَلِّمُ فِي الصِّغَرِ أَحْمَدَ. رَوَى مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ «مِثْلُ الَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي صِغَرِهِ كَالنَّقْشِ عَلَى الصَّخْرِ وَاَلَّذِي يَتَعَلَّمُ فِي كِبَرِهِ كَاَلَّذِي يَكْتُبُ عَلَى الْمَاءِ.» . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ: قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرَاضِيِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ أَفْرَغُ قَلْبًا، وَأَقَلُّ شُغْلًا، وَأَيْسَرُ تَبَذُّلًا، وَأَكْثَرُ تَوَاضُعًا. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: الْمُتَوَاضِعُ مِنْ طُلَّابِ الْعِلْمِ أَكْثَرُهُمْ عِلْمًا، كَمَا أَنَّ الْمَكَانَ الْمُنْخَفِضَ أَكْثَرُ الْبِقَاعِ مَاءً. فَأَمَّا أَنْ يَكُونَ الصَّغِيرُ أَضْبَطَ مِنْ الْكَبِيرِ إذَا عَرِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَوَانِعِ، وَأَوْعَى مِنْهُ إذَا خَلَا مِنْ هَذِهِ الْقَوَاطِعِ فَلَا. حُكِيَ أَنَّ الْأَحْنَفَ بْنَ قَيْسٍ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: التَّعْلِيمُ فِي الصِّغَرِ كَالنَّقْشِ عَلَى الْحَجَرِ. فَقَالَ

1 / 50