Adabka Dunida iyo Diinta
أدب الدنيا والدين
Daabacaha
دار مكتبة الحياة
Lambarka Daabacaadda
الأولى
Sanadka Daabacaadda
1407 AH
Goobta Daabacaadda
بيروت
Noocyada
Suufinimo
فِي الْخَيْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: صِدِّيقُ الرَّجُلِ قَصْدُهُ، وَسَرَفُهُ عَدُوُّهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: لَا كَثِيرَ مَعَ إسْرَافٍ وَلَا قَلِيلَ مَعَ احْتِرَافٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ السَّرَفَ وَالتَّبْذِيرَ قَدْ يَفْتَرِقُ مَعْنَاهُمَا. فَالسَّرَفُ: هُوَ الْجَهْلُ بِمَقَادِيرِ الْحُقُوقِ، وَالتَّبْذِيرُ: هُوَ الْجَهْلُ بِمَوَاقِعِ الْحُقُوقِ. وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ، وَذَمُّ التَّبْذِيرِ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّ الْمُسْرِفَ يُخْطِئُ فِي الزِّيَادَةِ، وَالْمُبَذِّرُ يُخْطِئُ فِي الْجَهْلِ. وَمَنْ جَهِلَ مَوَاقِعَ الْحُقُوقِ وَمَقَادِيرَهَا بِمَالِهِ وَأَخْطَأَهَا، فَهُوَ كَمَنْ جَهِلَهَا بِفِعَالِهِ فَتَعَدَّاهَا وَكَمَا أَنَّهُ بِتَبْذِيرِهِ قَدْ يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَهَكَذَا قَدْ يُعْدَلُ بِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يُوضَعَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ حَقٍّ وَغَيْرِ حَقٍّ.
وَقَدْ قَالَ مُعَاوِيَةُ ﵁: كُلّ سَرَفٍ فَبِإِزَائِهِ حَقٌّ مُضَيَّعٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْخَطَأُ فِي إعْطَاءِ مَا لَا يَنْبَغِي وَمَنْعُ مَا يَنْبَغِي وَاحِدٌ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ﵁: الْحَلَالُ لَا يَحْتَمِلُ السَّرَفَ، وَلَيْسَ يَتِمُّ السَّخَاءُ بِبَذْلِ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى تَسْخُوَ نَفْسُهُ عَمَّا بِيَدِ غَيْرِهِ فَلَا يَمِيلُ إلَى طَلَبٍ وَلَا يَكُفُّ عَنْ بَذْلٍ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ - عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ السَّلَامُ -: أَتَدْرِي لِمَ اتَّخَذْتُك خَلِيلًا؟ قَالَ: لَا يَا رَبِّ.
قَالَ: لِأَنِّي رَأَيْتُك تُحِبُّ أَنْ تُعْطِيَ وَلَا تُحِبُّ أَنْ تَأْخُذَ. وَرَوَى سَهْلُ بْن سَعْدٍ السَّاعِدِيّ ﵁ قَالَ: «أَتَى رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْنِي بِعَمَلٍ يُحِبُّنِي اللَّهُ عَلَيْهِ وَيُحِبُّنِي النَّاسُ. فَقَالَ: ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبُّك اللَّهُ وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّك النَّاسُ» . وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ: لَا يَنْبُلُ الرَّجُلُ حَتَّى يَكُونَ فِيهِ خَصْلَتَانِ: الْعِفَّةُ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، وَالتَّجَاوُزُ عَنْهُمْ.
وَقِيلَ لِسُفْيَانَ: مَا الزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: الزُّهْدُ فِي النَّاسِ. وَكَتَبَ كِسْرَى إلَى ابْنِهِ هُرْمُزَ: يَا بُنَيَّ اسْتَقِلَّ الْكَثِيرَ مِمَّا تُعْطِي، وَاسْتَكْثِرْ الْقَلِيلَ مِمَّا تَأْخُذُ، فَإِنَّ قُرَّةَ عُيُونِ الْكِرَامِ فِي الْإِعْطَاءِ وَسُرُورَ اللِّئَامِ فِي الْأَخْذِ، وَلَا تَعُدَّ الشَّحِيحَ أَمِينًا وَلَا الْكَذَّابَ حُرًّا فَإِنَّهُ لَا عِفَّةَ مَعَ الشُّحِّ وَلَا مُرُوءَةَ مَعَ الْكَذِبِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: السَّخَاءُ سَخَاءَانِ: أَشْرَفُهُمَا سَخَاؤُك عَمَّا بِيَدِ غَيْرِك. وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: السَّخَاءُ أَنْ تَكُونَ بِمَالِك مُتَبَرِّعًا وَعَنْ مَالِ غَيْرِك مُتَوَرِّعًا. وَقَالَ بَعْضُ الصُّلَحَاءِ: الْجُودُ غَايَةُ الزُّهْدِ، وَالزُّهْدُ غَايَةُ الْجُودِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
1 / 187