Adabka Dunida iyo Diinta

Al-Mawardi d. 450 AH
133

Adabka Dunida iyo Diinta

أدب الدنيا والدين

Daabacaha

دار مكتبة الحياة

Lambarka Daabacaadda

الأولى

Sanadka Daabacaadda

1407 AH

Goobta Daabacaadda

بيروت

Noocyada

Suufinimo
إحَنُهُمْ وَانْقَطَعَتْ عَدَاوَاتُهُمْ وَصَارُوا بِالْإِسْلَامِ إخْوَانًا مُتَوَاصِلِينَ، وَبِأُلْفَةِ الدِّينِ أَعْوَانًا مُتَنَاصِرِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾ [آل عمران: ١٠٣] . يَعْنِي أَعْدَاءً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ بِالْإِسْلَامِ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: ٩٦] . يَعْنِي حُبًّا. وَعَلَى حَسَبِ التَّآلُفِ عَلَى الدِّينِ تَكُونُ الْعَدَاوَةُ فِيهِ إذَا اخْتَلَفَ أَهْلُهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَقْطَعُ فِي الدِّينِ مَنْ كَانَ بِهِ بَرًّا وَعَلَيْهِ مُشْفِقًا. هَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ فِي الْفَضْلِ وَالْأَثَرِ الْمَشْهُورِ فِي الْإِسْلَامِ، قَتَلَ أَبَاهُ يَوْم بَدْرٍ وَأَتَى بِرَأْسِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ طَاعَةً لِلَّهِ ﷿ وَلِرَسُولِهِ، حِينَ بَقِيَ عَلَى ضَلَالِهِ وَانْهَمَكَ فِي طُغْيَانِهِ. فَلَمْ يُعْطِفْهُ عَلَيْهِ رَحْمَةٌ وَلَا كَفَّهُ عَنْهُ شَفَقَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَبَرِّ الْأَبْنَاءِ، تَغْلِيبًا لِلدِّينِ عَلَى النَّسَبِ وَطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَاعَةِ الْأَبِ. وَفِيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ [المجادلة: ٢٢] . وَقَدْ يَخْتَلِفُ أَهْلُ الدِّينِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى وَآرَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيَحْدُثُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالتَّبَايُنِ مِثْلُ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ فِي الْأَدْيَانِ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّينَ وَالِاجْتِمَاعَ عَلَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فِيهِ لَمَّا كَانَ أَقْوَى أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ، كَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ أَقْوَى أَسْبَابِ الْفُرْقَةِ. وَإِذَا تَكَافَأَ أَهْلُ الْأَدْيَانِ الْمُخْتَلِفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمُتَبَايِنَةِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ أَعْلَى يَدًا، وَأَكْثَرَ عَدَدًا، كَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ أَقْوَى وَالْإِحَنُ فِيهِمْ أَعْظَمَ؛ لِأَنَّهُ يَنْضَمُّ إلَى عَدَاوَةِ الِاخْتِلَافِ تَحَاسُدُ الْأَكْفَاءِ، وَتَنَافُسُ النُّظَرَاءِ. وَأَمَّا النَّسَبُ: وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الْأُلْفَةِ فَلِأَنَّ تَعَاطُفَ الْأَرْحَامِ

1 / 148