Acmal Kamila
موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين
Noocyada
وإيضاح هذا: أن انطباق العلامات والصفات الواردة في التوراة على النبي- صلوات الله عليه -، مع ما انضم إليه من آيات صدقه الأخرى، يجعل اليهود على معرفة لا يخالجها ريب بأن نبوته صادقة، وكتابه وحي سماوي، ولكن فوات ما كانوا يحرصون عليه من أن يكون خاتم النبيين منهم ، ملأ قلوبهم غيظا وحسدا، وأخذ هذا الغيظ والحسد يغالب تلك المعرفة حتى # تغلب عليها، وحال بينها وبين أن يكون لها أثر هو الإذعان بالقلب، والإقرار باللسان.
{فلعنة الله على الكافرين}:
اللعنة: الإبعاد والطرد، فلعنة الله على الكافرين: إبعادهم وطردهم من مواقع رحمته وخيراته الباقية. وجعلت لعنتهم صادرة من الله؛ لإظهار شدتها، والإيمان إلى أنها لعنة لا مرد لها، {ومن يلعن الله فلن تجد له نصيرا} [النساء: 52]. وقال: {على الكافرين}، ولم يقل: عليهم؛ ليشعر بأن سبب حلول اللعنة هو كفرهم.
{بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله}:
بئس: فعل يستعمل للذم، كما يستعمل (نعم) للمدح، وكل من الفعلين يستدعي ذكر اسمين مرفوعين، أولهما الفاعل، والثاني يسمونه: المخصوص بالذم، أو المدح، و (ما) في قوله: {بئسما} بمعنى الذي، وهي الفاعل. و {اشتروا} يحمل - كما قال الجمهور - على معنى: باعوا؛ فإن أولئك اليهود لما أمكنهم الله من الإيمان الذي يفضي بهم إلى السعادة الباقية، ومن الكفر الذي يؤدي بهم إلى شقاء دائم، صار اختيارهم للكفر على الإيمان بمنزلة اختيار صاحب السلعة ثمنها على سلعته، فكانهم أعطوا أنفسهم التي كان في إمكانهم الانتفاع بإيمانها، وأخذوا الكفر عوضا منها. فأنفسهم بمنزلة السلعة المبيعة، والكفر بمنزلة ثمنها المقبوض.
وقوله: {أن يكفروا بما أنزل الله} في معنى: كفرهم بما أنزل الله، وهو المخصوص بالذم المشار إليه بفعل (بئس). و (ما أنزل الله): القرآن، ودين الإسلام. والمعنى: بئس الشيء الذي باعوا به أنفسهم، وهو كفرهم # بما أنزل الله؛ من كتابه الحكيم، ودينه القويم.
Bogga 164