Calanka Fikirka Islaamka ee Casriga Cusub
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Noocyada
فلنعم الرشيد يا ابن أمين
ولنعم الأمين يا ابن الرشيدي
وروى الفاضل محمد أفندي التميمي - في الترجمة التي جمعها لأبيه الشيخ أحمد التميمي - أن سبب عزله عن الإفتاء أحقاد قديمة كانت في صدر إبراهيم باشا منه بسبب معارضته له في أمور تخالف الشرع كان يريدها ويعارضه الشيخ فيها فلا يجد بدا من الإذعان بسبب إقبال أبيه «محمد علي» على الشيخ، فلما آلت ولاية مصر إلى إبراهيم كان أكبر همه عزله عن الإفتاء.
ثم أكب المترجم على الاشتغال بالعلم، خصوصا الفقه، حتى نال منه حظا وافرا، وجلس للتدريس بالأزهر لإقراء «الدر المختار»، فقرأ منه إلى كتاب الطلاق وأكمل قراءته في داره، وقرأ «الأشباه والنظائر» في داره أيضا، وباشر أمور الفتوى بعفة وأمانة وتدقيق وتحقيق، واشتهر بين الناس بالحزم والعزم وعدم ممالأة الحكام، وحسبك وقوفه في وجه عباس الأول وتعريضه نفسه للتهلكة صيانة لما استودع من أمانة العلم .
وسبب ذلك أن هذا الوالي أراد أن يمتلك جميع ما بيد ذرية جده محمد علي، مدعيا أنه ورد مصر لا يمتلك شيئا، فكل ما خلفه لذريته إنما هو من مال الأمة يجب رده إليها ووضعه بيد أمينها المتولي شئونها، واستفتى المترجم فلم يوافقه وأصر على الامتناع ولم يحفل بوعيده وتهديده، حتى طلبه فجأة إلى بنها فسافر إليها وهو موقن بالهلاك، وكان معه عند طلبه الشيخ أبو العلا الخلفاوي فسافر معه لمؤانسته ومواساته، فلما وصلا إلى قصر بنها روجع المترجم في الفتوى فأصر على قوله الأول، فأمر بهما فأنزلا إلى سفينة بخارية سافرت بهما ليلا في النيل لنفي المترجم إلى أبي قير، واعتراه لشدة وجله زحير
1
كاد يودي به، وهو مع ذلك مصر على قوله، والشيخ أبو العلا يهون عليه الأمر ويؤانسه بالكلام، إلى أن صدر الأمر بإرجاع السفينة وأنزلا منها وأمرا بالسفر إلى القاهرة، وسلم الله، فكانت هذه الحادثة سببا لعلو قدر المترجم في النفوس، وإعظام الولاة فمن دونهم لشأنه، وتسبب منها أيضا إقباله على الشيخ أبي العلا المذكور وسعيه له في المناصب التي تولاها وعظم بها أمره بعد ذلك.
وفي سنة 1287ه أراد الخديو إسماعيل عزل الشيخ مصطفى العروسي شيخ الأزهر، ولكنه خشي الفتنة؛ لأن العزل لم يقع من قبل لأحد من مشايخ الأزهر، فأخذ في جس نبض العلماء وسبر غورهم في ذلك، فهون عليه الشيخ حسن العدوي الأمر، وأوضح له أنه وكيل الخليفة، والوكيل له ما للأصيل، فسر الخديو وبادر إلى عزل الشيخ العروسي في أواخر السنة المذكورة، وكان العدوي يطمع فيها، وما قال ما قال إلا توطئة لنفسه، فأخلف الله ظنه، وصدر أمر الخديو في منتصف شوال بتوليته الشيخ محمد العباسي المهدي والجمع له بين منصب الإفتاء ومنصب شيخ الأزهر، ودعاه الخديو لمقابلته، وخلع عليه وأنزله من عنده بالموكب المعتاد، فباشر شئون منصبه بحزم وعزم وتؤدة وتعقل، وكان أول ما صدر منه سعيه لإعادة ما كان لأهل الأزهر من المرتبات الشهرية والسنوية، ثم استصدر أمرا من الخديو بوضع قانون للتدريس فأجابه إلى ذلك، ووضع قانون الامتحان، وكانوا قبل ذلك لا يمتحنون، بل كان من تأهل للتدريس تصدر له - في أول درس له يحضره - شيوخه وغيرهم من كبار العلماء ويناقشونه، فإن وجدوه أهلا أقروه وإلا أقاموه.
ولم يزل المترجم سائرا في طريقه المحمود ملحوظا بعين التبجيل من الحكام، وبين الخاص والعام، حتى ثارت الثورة العرابية المشهورة، ورأى فيه العرابيون أنه ليس بالرجل الذي يوافقهم ويساعدهم في مطالبهم، فكان من جملة ما طلبه عرابي باشا من الخديو لما زحف الجيش على قصر عابدين عزل المترجم من الأزهر، فعزل عنه في المحرم سنة 1299ه، وتولى بدله الشيخ محمد الإنبابي، وانفرد هو بالإفتاء، ثم اشتدت الثورة وجاهر العرابيون بطلب عزل الخديو، وكتبوا قرارا بذلك وقع عليه العلماء والوجهاء، وامتنع المترجم من التوقيع، وقال لحامل القرار: «أنا لا أوقع بيدي، فإذا كان في الأمر غصب فإن خاتمي معي خذوه ووقعوا أنتم بأيديكم كما تشاءون»، فانحرف عنه العرابيون وبثوا عليه العيون، حتى احتجب في داره التي على الخليج بالقرب من مدرسة الفخري المشهورة بجامع البنات، وتحامى الناس زيارته، وصار لا يخرج منها إلا لصلاة الجمعة في أقرب مسجد إليه.
ولما انتهت الثورة العرابية وعاد الخديو للقاهرة في 12 ذي القعدة من تلك السنة، ذهب الشيخ مع العلماء للسلام عليه وتهنئته ، فخصه الخديو من دونهم بمزيد من الترحيب والرعاية، وكان بينهم الشيخ الإنبابي شيخ الأزهر، فلحظ ذلك، وخشي أن يعزله الخديو ليعيد العباسي، فاستقال بعد أيام، وأصدر الخديو أمره يوم الأحد 18 ذي القعدة بإعادة المترجم إلى الأزهر علاوة على منصب الإفتاء بيده، وفيما يلي نص ذلك الأمر الموجه من الخديو إلى رئيس النظار:
Bog aan la aqoon