إن الصادق عليه السلام أراد أن الحواس الخمس بغير عقل لا توصل إلى معرفة الغائبات، وأن الذي أراه من حدوث الصورة معقول، بني العلم به على محسوس (1) واعلم - أيدك الله - أن الأجسام إذا لم تخل من الصورة - التي قد ثبت حدثها - فهي محدثة مثلها.
دليل آخر على حدث العالم: الذي يدلنا على ذلك، أنا نرى أجسامنا لا تخلو من الحوادث المتعاقبة عليها، ولا يتصور في العقل أنها كانت خالية منها، وهذا يوضح أنها محدثة مثلها، لشهادة العقل بأن ما لم يوجد عاريا من المحدث فإنه يجب أن يكون مثله محدثا.
وهذه الحوادث هي: الاجتماع والافتراق، والحركة والسكون، والألوان والروائح والطعوم، ونحو ذلك من صفات الأجسام.
والذي يدل على أنها أشياء غير الجسم، ما نراه من تعاقبها عليه، وهو موجود مع كل واحد منها.
وهذا يبين أيضا حدثها، لأن الضدين المتعاقبين لا يجوز أن يكونا مجتمعين في الجسم، ولا يتصور اجتماعهما في العقل، وإنما وجد أحدهما وعدم الآخر، فالذي طرأ ووجد هو المحدث، لأنه كائن بعد أن لم يكن، والذي انعدم أيضا محدث، لأنه لو كان غير محدث لم يجز أن ينعدم، ولأن مثله أيضا نراه قد تجدد وحدث.
والذي يشهد بأن الأجسام لم تخل من هذه الحوادث بدائه العقول وأوائل العلوم، إذ كان لا يتصور فيها وجود الجسم مع عدم هذه الأمور، ولو جاز أن يخلو الجسم منها فيما مضى، لجاز أن يخلو منها الآن فيما يستقبل من الزمان.
فالذي يدل على أن حكم الجسم كحكمها في الحدوث، أن المحدث هو الذي لوجوده أول، والقديم هو المتقدم على كل محدث وليس لوجوده أول، فلو كان الجسم قديما لكان موجودا قبل الحوادث كلها خاليا منها، وفيما قدمناه من استحالة خلوه منها دلالة على أنه محدث مثلها، فالحمد لله.
* * *
Bogga 37