49

Aclam Caliyya

العقود الدرية في ذكر بعض مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية ويليه الأعلام العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية

Baare

علي بن محمد العمران

Daabacaha

دار عطاءات العلم (الرياض)

Lambarka Daabacaadda

الثالثة

Sanadka Daabacaadda

١٤٤٠ هـ - ٢٠١٩ م (الأولى لدار ابن حزم)

Goobta Daabacaadda

دار ابن حزم (بيروت)

قطع ما يستغني ببعضه عن كلِّه فيما وُضع له، وهو العمامة، فنفع أخاه المسلم وسدّ حاجته حينئذ ببعضها، واستغنى هو بباقيها. وهذا هو أكمل التصرف الصالح والرُّشد التام، والجود المذكور المشهور، والإيثار بالميسور. وأما التبذُّل الذي فيه نوع من إسقاط المروءة فليس من هذا القبيل في شيء، بل هذا من المبالغة في التواضع، وعدم رؤية النفس في محل الاحتشام، ورفض إرادة المرء تعظيم نفسه بحضرة الحاضرين، وهذه خصال محمودة مطلوبة شرعًا وعقلًا. وقد روي مثل ذلك عن سيد الأنام وأكمل الخلق مروءةً وعقلًا وعلمًا محمد المصطفى ﷺ: أنه لبس يومًا شملة سوداء لها حواش بيض، وخرج إلى المسجد، وجماعة من المسلمين حضور، فرآه إنسان فقال: يا رسول الله! أعطني هذه الشملة، وكان رسول الله ﷺ لا يمنع سائلًا يسأله، فنزعها ﷺ عن كريمه المكرّم ودفعها إلى ذلك الرجل، وطفق الناس يلومون ذلك الرجل على ما فعل، وكونه سأل النبي ﷺ وكان محتاجًا إلى ما يلبس، وقد علم أنه ﷺ لا يمنع شيئًا يُسأله، فقال الرجل معتذرًا إليهم: إنّي لم أطلبها لألبسها، لكن لأجعلها لي كفنًا عند موتي، قال الراوي: فأمسكها عنده حتى كانت كفنه. وهذا حديث مشهور قد رواه غير واحد من الحفاظ الثقات (^١). وهو من أوضح الدليل على ما قلناه، بل أبلغ في الجود والتواضع وكسر النفس وكرم الأخلاق. وحدثني من أثق به أنّ الشيخ ــ ﵁ ــ كان مارًّا يومًا في بعض

(^١) بنحو القصة أخرجه البخاري (١٢٧٧) من حديث سهل بن سعد ﵁.

1 / 779