فهو أن الألف أول الأسماء وأشرفها ومبتدؤها وأن جميع أسمائه التي تعرف وما لا تعرف إنما خرجت منها فهو محشو بجميع أسمائه وصفاته كما أن الأرضين كلها خرجت من تحت الكعبة ومدت منها من الأديم كذلك خرجت جميع أسمائه منه، والألف في الكتابة حرف منتصف من غير وصل ولا فصل لا انحراف فيه ولا اعوجاج فهو اسم الله دال بحرفيته وانتصابه واستقامته من غير انحراف ولا اعوجاج ولا تمايل على المسمّى الذي هو اسمه أنه واحدًا أحدًا صمد فرد أبد ودائم عدل تام بارئ قائم بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم وهو في التهجي واستعمال الأدوات ثلاثة أحرف ألف، ولام، وفاء ثم الألف منها ثلاثة أحرف، واللام حرفان والفاء حرفان في التهجي وفي الكتابة حرف فاللام في التهجي لام وألف وميم، والفاء فاء وياء، فمن الألف وهو الثلاثة الأحرف يخرج ثلاثة أسماء الله واللطيف والفاضل، الله من الألف واللطيف من الاللام والفاضل من الفاء، ثم تخرج من لام الألف اسمان لطيف ومجيد، اللطيف من اللام والمجيد من الميم، ثم تخرج من ميم الميم الذي خرج من لام الألف اسمان ملك ومهيمن، ثم تخرج من ميم الملك ولامه وكافة أسماء المولى والمحيي والمميت ومن ميم المهيمن وهائه ويائه وميمه الآخر ونونه خمسة أسماء المعطي من ميمه الأول والهادي من الهاء واليد من الياء والمكرم من الميم الآخر، والنون والناصر من النون فعلى هذا المثال يخرج من الألف جميع الأسماء والصفات وهو في الكتابة حرف وفي التهجي ثلاثة أحرف فقوله: (ألست بربكم)، لما أراد الله أن يأخذ عليهم الميثاق أبرز لهم هذا الألف على مثال الذي وصفنا حرفا منتصبا في صدورهم على أعين قلوبهم ثم أشار لهم إليه حتى إذا رأوه ونظروا إلى حرفيته وانتصابه واستقامته من غير انحراف ولا اعوجاج وفرديته من بين الأحرف وصموته ووقفوا على معنى ربّهم وهو في القول ثم قال: (ألست بربكم) والألف تماثله على أعين قلوبهم يشير لهم إلى وحدانية الملك ويدلهم بآياته وصفاته عليه فأجابوا ربهم ببلى واستدلوا باسمه الألف بحرفيته واستقامته ودلالته على ربهم وشهدوا له بالوحدانية وأقروا له بالربوبية وأيقنوا بالفردية وأعلموا أن الله إنما أبرز لهم هذا الاسم من بين أسمائه وصوره على أعين قلوبهم ليشهدوا به عليه ويعرفوه بالآيات التي تشير الألف بما فيه إليها ويوقنوا بالمعاني التي تؤدي الألف عنها يوقروا بالصفات التي تدلهم الألف عليها فاستدلوا بوحدانية الألف على أن المسمى الذي الألف اسمه واحدًا أحدًا واستدلوا بفرديته على أنه فرد واستدلوا بصموته على أنه صمد واستدلوا بحرفيته على أنه وتر واستدلوا ببراءته عن الوصل والفصل على ديمومته وقدمه واستدلوا ببعده عن أن يشبه الأشكال على كونه وبعده عن الكيفية ومنتهاه وحدوديته فعرفوه بالصفات والآيات والبينات معرفة بلا كيفية ولا محدودية وأقروا له بالربوبية ولأنفسهم بالعبودية فأجابوه بثلاثة أحرف وهو الباء واللام والياء فقالوا بلي فرضي عنهم وقبل منهم وجعلهم في كنفه ثم صبّ عليهم النور وأشهدهم على أنفسهم وأشهد الملائكة بذلك عليهم وكفى بالله شهيدًا ولهذا غور بعيد لا يمكن استفراغه ولا استفحاصه ولكن في قدر ما وصفنا كفاية وهداية لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، وإنما أجابوه ببلى ولم يجيبوه بنعم، وبلى ثلاثة أحرف ونعم أيضًا كمثله ثلاثة أحرف لأن في بلى ما ليس في نعم وما في نعم ما ليس في بلى وإن كانا من الحروف سواء ولأن نعم ليس لها عند الاستفهام موضع ولا معنى لأنه ليس في حروف نعم ويكون جوابًا للاستفهام ولهذا غور بعيد لا يمكن وصفه ولكن سنشرح منه شيئًا لتفهموه، إن الباء اسم يخرج منه اسم البرَّ والبرِّ والرب واحد في القلب فلما قال الله يوم الميثاق: (ألست بربكم)؟ نظروا فقالوا إن لله أسماء كثيرة وإنما استقررنا من بين أسمائه باسمه الرب والرب من البر والبر مخرجه من الباء، والباء حرفان باء وألف فإنما يريد ربنا أن نقرّ له باسمه البر ونجيبه به، والباء الذي في أوله باء الإضافة، والثاني اسمه البر والبر من البار وفي البار الألف وهو اسمه الأول فأقروا له به وأجابوه باسم هو في الحرف حرفان باء وراء والألف فيما بينهما مندمج لا يبرز إلا في وقت تهجي الباء ليكون إقرارهم له باسمه الله وجوابهم له بحرف يوافق حرفه الأول الذي ابتدأ به أول
1 / 14