ورذل الناس استعمال ماء العسل لأنه يسقط قوة من يشربه ولهذا السبب قد يظن به أنه يحدث الموت بسرعة وإنما قيل فيه ذلك لأن شاربه لا يمكنه أن يلبث باستعماله وذلك أن من الناس من يستعمل ماء العسل فقط على أن استعماله في مثلهم يجري على الصواب وليس هذا الرأس بالحقيقة على هذا إلا أن ماء العسل أقوى كثيرا من الماء إذا شرب وحده إن لم يلين البطن وقد نجد أيضا هو أقوى من الخمر الرقيق القليل الاحتمال للماء في بعض الأوقات وفي بعضها أضعف والفرق بين استعمال الخمر والعسل غير ممزوجين في قوة كل واحد منهما عظيم لأنه إن شرب شارب من شراب صرف الضعف مما يشربه من العسل قويت قوته من شرب العسل أكثر كثيرا إن لم يلين الطبيعة فقط وذلك أن البراز أيضا الذي يخرج عنه هو الضعف فإن تحسى كشك الشعير ثم شرب بعده ماء العسل أشبعه ذلك شعبا شديدا وأنفخه ولم ينتفع به في المواضع التي دون الشراسيف فإن شرب ماء العسل قبل الحساء لم يضره ذلك كمضرته إذا شربه بعده لكن ربما انتفع به أيضا.
والمطبوخ من ماء العسل أحسن في منظره من الذي لم يطبخ وذلك أنك تراه رقيقا أبيض ينفذه الضوء وأما أن فيه فضيلة يتقدم بها على الني من ماء العسل فلست أقدر أن أقول ذلك لأنه ليس بأطيب من الني إن اتفق أن يكون العسل جيدا والمطبوخ من ماء العسل أضعف من الني وأقل إحدارا للبراز وليس من هذين واحدة يحتاج إليها في الانتفاع به وأقرب ما يدعو إلى استعماله مطبوخا متى اتفق أن يكون العسل رديئا ليس بالنقي ولا طيب الرائحة أسود اللون فإن الطبخ ينقص من رداءته وشدة سماجته.
[chapter 16]
Bogga 35