ومن ثمرة هذه الجهود المباركة ظهور علم الجرح والتعديل (^١) بشكل منسق منضبط بقواعد وأصول، واستخدام مصطلحات وألفاظ دقيقة محكمة تعارف عليها أئمة هذا الشأن. فكان علمًا مستقلًا متكاملًا، ومن أتقنه، فقد أتقن نصف العلم. قال علي بن المديني: " الفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الرجال نصف العلم" (^٢).
لذلك لم يتقنه إلا نزر يسير في كل طبقة من طبقات حفاظ المحدثين. ومن هؤلاء الأئمة الذين عرفوا به شعبة بن الحجاج (ت (١٦٠) هـ)، وسفيان الثوري (ت (١٦١) هـ) والإمام مالك (ت (١٧٩) هـ)، ثم بعدهم ابن المبارك (ت (١٨١) هـ)، ووكيع بن الجراح (ت (١٩٧) هـ) ويحيى بن سعيد القطان (ت (١٩٨) هـ) والإمام الشافعي (ت (٢٠٤) هـ). وبعدهم يحيى بن معين (ت (٢٣٣) هـ) وعلي بن المديني (ت (٢٣٤) هـ)، وزهير بن حرب أبو خيثمة (ت (٢٣٤) هـ)، وعبيد الله بن عمر القواريري (ت (٢٣٥) هـ)، وإسحاق بن راهويه (ت (٢٣٨) هـ) وأحمد بن حنبل (ت (٢٤١) هـ). وبعدهم عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت (٢٥٥) هـ)، ومحمد بن إسماعيل البخاري (ت (٢٥٦) هـ)، ومحمد بن يحيى الدهلي النيسابوري (ت (٢٥٨) هـ)، ومسلم بن الحجاج (ت (٢٦١) هـ) وأبو زرعة الرازي (ت (٢٦٤) هـ)، وأبوداود السجستاني (ت ٢٧٥) وغير هؤلاء، ولقد تميز هؤلاء المذكورون عن الكثير من الحفاظ المتقنين بالإمعان في الحفظ وكثرة الكتابة وأفرطوا في الرحلة، وواظبوا على السنة والمذاكرة والتصنيف والمدارسة.
وهكذا حفظ الله ﷾ لنا المصدر الثاني في التشريع بعد كلامه