قال: المائة ألف فرنك التي طلبتها منك، فإن هذا المبلغ لا ينقص من ثروتك، ولكنه يمهد لك سبل السكينة والسلام.
قال: لقد سألتني هذا السؤال وأجبتك عنه، أما الآن فأقول لك: إنه إذا كانت الخدمة على شروطي لا توافقك فلك أن تتنحي وتعتزل، فلم يجبه بكلمة، وأوصله إلى غرفة رقاده، وهناك تركه وخرج من القصر من باب خفي إلى خمارة، فأقام فيها ساعة مختليا مع صاحبها، ثم عاد ودخل الغرفة المجاورة لغرفة البارون، وهي الغرفة التي تعود أن يبيت فيها كي يكون قريبا من سيده حين يدعوه.
أما البارون فإنه لبث ساهرا إلى انتصاف الليل، وهو يفكر تارة في الكونتيس ولا يعلم على ماذا يقر بشأنها، وتارة في السيئ البخت، ولا يعلم إذا كان ميتا أم لا يزال في قيد الحياة، وطورا في بول سالبري فيندم لإساءته إليه، حتى إذا انتصف الليل، وأطفأ الشمعة عادت إليه هواجس الخيال، وجعل يفكر في تلك الصورة التي لم يكن يعذبه سواها. وفيما هو على ذلك سطعت الأنوار الزرقاء فجأة، فهلع قلبه من الخوف، ونظر نظرات ملؤها الرعب إلى الجدار فرأى صورة الكونت دي نيفيل قد ارتسمت في إطارها على الجدار، فكاد يذهب عقله من الذعر.
ولكن هذه الرؤيا لم تطل أكثر من بضع ثوان؛ إذ انطفأت وعاد الظلام، ولبث البارون في سريره ينتفض من الرعب، وهو يحسب أن الرؤيا قد انتهت حسب عادتها.
وقد عول على أن لا ينام، وكيف يستطيع الرقاد وهو يعتقد الآن اعتقادا راسخا أن هذه الصورة لم تظهر له بشكل حلم، فقد رآها وهو يقظان، غير أن زمن سكينته لم يطل، فإنه بينما كان يفكر في أمره عادت تلك الأنوار إلى التآلف بشكل يخطف الأبصار، فصاح صيحة هائلة وتراجع إلى الجدار؛ ذلك أنه لم ير الصورة هذه المرة، ولكنه رأى الكونت دي نيفيل قد خرج من إطار الصورة وأصبح جسما حيا، ثم رآه يمشي إليه وعيناه محدقتان فيه تنظران إليه نظرات نارية.
ومن شأن الرعب متى تمكن من قلب صاحبه، وبلغ أقصى حدوده، أن يقيده ويمنعه من كل حركة، وهذا ما أصاب البارون، فإنه حين ظهر له هذا الخيال المجسم حاول أن يصيح صيحة ثانية، فوقف الصوت في حلقه وجمد الدم في عروقه؛ لأنه رأى رجلا حقيقيا هذه المرة لا صورته.
ولكنه بذل جهدا عنيفا فتمكن من الكلام، وقال يخاطب الخيال بصوت متقطع: ... رحماك ...! اصفح عني، فسأصلح ما أفسدت.
فتراجع الخيال بملء الجلال خطوة إلى الوراء وأشار إلى البارون إشارة الآمر أن انهض!
فامتثل وهو لا يعلم ما يريد منه، أما الخيال فإنه أخذ ينير الشمعة، فعاود البارون الرجاء، وحسب أنه سيختفي متى أضاء النور، غير أن الأمر جاء على عكس ما يتوقع، فإن الخيال بعدما أضاء الشمعة أخذ ورقا وقلما ووضعهما على المائدة، ثم أشار إلى البارون أن يكتب، فاصطكت أسنانه من الرعب وسأله قائلا: ماذا تريد أن أكتب؟ فأشار الخيال إشارة مفادها «إنك تعلم ما يجب أن تكتبه.»
قال: أتريد أن أخرج الكونتيس من المستشفى؟ فأشار الخيال برأسه إشارة إيجاب.
Bog aan la aqoon