قال: وإذا برهنت لك على أني قلت الحق؟
أجاب: لا بد لك من أن تبرهن البرهان الساطع الذي لا ريب فيه إذا أردت أن تبقى في عداد الأحياء. وقد اصفر وجهه من الغضب، وتوهجت عيناه، وارتجفت شفتاه، فقال له: نعم إنك كاذب أيها الشقي، وسأسحقك كما أسحق الزجاج، فعلم أنيتور أنه قد تورط؛ لأنه لم يقل ما قاله إلا عرضا، وقد قرأ سورة القضاء عليه في عيني فيلكس، ولكنه تجلد وقال له: إن مثل هذه الأمور لا يكون برهانها حاضرا عند الطلب، فلا بد لك من إمهالي، ولكني سآتيك بالبرهان.
وقد مشى إلى الباب يحاول الانصراف، فاندفع شارنسون في أثره، ولكن فيلكس رده عنه وقال له: دعه يذهب إلى حيث يشاء، فإني أعرف كيف أجده.
فسار أنيتور حتى إذا خرج من الباب اطمأن على نفسه، وعادت إليه قحته فقال: تبا لهما من أبلهين!
أما فيلكس فإنه ألقى نفسه بين ذراعي صديقه، وجعل يشهق بالبكاء، ويروي بدموعه ثيابه وثياب شارنسون. •••
وأما أنيتور فإنه اطمأن كل الاطمئنان، حين صار في الشارع، وأخذ يتمعن في أمره ويقول في نفسه؛ لا أنكر أني سررت سرورا عظيما بشقاء هذا الجار العزيز، ولكني أخاف أن يكلفني هذا السرور ثمنا غاليا، ولا بد لي من التأهب لما قد يحدث، فقد يكون لي شأن جلل مع هذا العاشق الغيور. ثم صعد إلى منزله وهو يقول: إن فيلكس لا يعرفه أحد وهو لا يعرف أحدا، فمن أرشد البرنس الروسي إليه إلا باكيتا؟ وكيف ينقد البرنس خمسة وعشرين ألف فرنك مثل هذا الأبله إلا إذا دفعه العشق إلى مثل هذا الكرم. إني ليس لي بلاهة هذين الرجلين، ولا توجد ممثلة في الوجود تحملها الفضيلة على طرد مثل هذا الأمير الذي يعدونه أعظم غني في هذه البلاد؛ إذن لا بد أن يكون عشيقها بلا أدنى شك، وأظن أني خلفت لأكون من كبار رجال السياسة، ولو أني لا أعرف شيئا مثلهم، ولكن لي ما لهم من قوة الاستنتاج. وقد ذكر وهو يناجي نفسه بهذه الأقوال أنه رأى مركبة البرنس سارت في طريق غابات بولونيا، فقال في نفسه: لا شك أن هذا البرنس يريد أن يتناول طعام الغداء في سانت كلو أو في فندق مدريد فلأتبعنه لأرى ما يكون.
وقد تردى بوشاح يقيه من البرد، وخرج من المنزل، فسار أيضا في طريق الغابات، وكانت المركبات يندر مرورها في مثل هذه الساعة في طريق الغابات، بحيث سهل عليه أن يصف مركبة البرنس لأصحاب الحوانيت، فعرفوها ودلوه كيف سارت.
وقد علم أن المركبة سارت إلى سانت كلو فسار إليها، فوجد البرنس وصديقه المركيز جالسين في ردهة الفندق المشرفة على الطريق يشربان كأسين من الفرموت قبل دخولهما قاعة الطعام ... فصعد إلى الردهة، وجلس عند منضدة بجانبهما، وطلب أيضا كأسا من الشراب، فجعل يشرب ويصغي إلى الحديث.
وقد سمع المركيز يقول للبرنس: مسكين هذا الفتى، فقد حسب أن أبواب السماء فتحت له.
وكان يعني بهذا القول فيلكس. فابتسم البرنس ابتسامة حزن، وأجابه قائلا: نعم، غير أني حين أخبر باكيتا بما صنعت معه تكون أسعد حالا وأتم سرورا منه، فارتعش أنيتور، ثم سمع المركيز يقول لصديقه: متى عزمت على أن نراها؟
Bog aan la aqoon