كان يوجد عند الكونتيس خادم قديم يدعى أنطوان، لازم الكونتيس إلى أن أدخلوها مستشفى المجانين، فجمع كل ما اقتصده في مدة خدمته أربعين عاما، واشترى منزلا صغيرا في شارع أوتيل، فلما هربت الكونتيس من المستشفى بمساعدة الطبيب وباكيتا - كما تقدم - جاءت إلى خادمها القديم مع ولدها السيئ البخت واختبأت في منزله، ولم يكن خوفها من الحكومة أن تبحث عنها بعد فرارها فتردها إلى المستشفى؛ لأن الجنون لا يعد من الجرائم، ولا تقبض الحكومة على المجانين إلا إذا كان في إطلاق سراحهم ضرر على الناس، ولكنها كانت تخاف من البارون - وهو وصيها - أن يعثر عليها ويعيدها إلى المستشفى، فإنه قادر على إثبات جنونها وله الحق بالحجر عليها.
وكانت عائشة مع ولدها عيشة الفقر، ولكنها كانت تعد نفسها من أسعد البشر، فكان فيلكس يشتغل شغل الواثق المطمئن من فوزه في النهاية.
وكان صديقه شارنسون مقيما معه، وقد استخدم سبع مرات كي لا يكون عالة على صاحبه، ولكنه لم يكن يستطيع الثبات، حتى انتهى بأن قال لصاحبه: إني أنا الذي يجب أن ألقب «بالسيئ البخت» لا أنت. فابتسم فيلكس وقال له: وزد على ذلك أنك ما خلقت قوي الإرادة مثلي.
أما كاستيليون فإنه عاد إلى العمل في مكتب المحامي الذي كان يشتغل عنده، وقد يئس من إعادة الإرث إلى فيلكس بعد أن اختلس منه ميشيل ذلك الصك الذي كتبه البارون كما تقدم.
وكان فيلكس يكسب رزقه بشيء من السعة، وإنما كان الفضل في ذلك لباكيتا، فإنها اتفقت سرا مع أحد تجار التماثيل فكان يشتري من فيلكس بمالها كل ما ينحته فيزيده هذا الرواج رغبة في العمل وتفننا فيه، وهو لو علم أن باكيتا كانت تشتري تماثيله لقنط، ولما بلغ شيئا مما بلغه من الفوز بهذه الصناعة.
وكانت باكيتا تزوره، وهو مع أمه من حين إلى حين، فكان يتنهد وهي تبكي إلى أن قال لها يوما: أقسم لك بالله وبشرفي أني لا أميل إلى سواك، ولا أتزوج غيرك مدى الحياة، ولكني لا أقدم على الزواج إلا متى نلت شهرتي، وخلصت من هذا الجهاد في معترك الحياة؛ إذ لا أستطيع أن أقبل منك درهما.
ففي ذلك اليوم الذي قابلت فيه البرنس أرسلت إلى فيلكس تخبره أنها ستتغدى في حديقة منزله مع كوكليش وامرأته، وجاءته عند الظهر وجاءت بأجود الطعام والشراب، وكان هذا كل ما يقبله منها.
وقد وجدت فيلكس واقفا أمام التمثال الذي كان عازما على عرضه في المعرض، وهو ينظر إليه وعلائم الاضطراب بادية في وجهه، فسألته قائلة: ما بالك مضطرب البال؟
قال: إني خائف.
قالت: مما الخوف وهذا التمثال من آيات فن النحت؟
Bog aan la aqoon