143

Abu Nuwas

أبو نواس: الحسن بن هانئ

Noocyada

1

وكان ممن مضى لنا خلفا

فليس منه إذ بان من خلف

ولم يكن خلف الأحمر قد مات حين نظمها، وسواء كان نظمها مستجيبا لاقتراح خلف على الشعراء أصحابه، أو كان نظمها بغير اقتراح منه، فأبو نواس هو الشاعر الوحيد الذي رويت له مرثاة لخلف الأحمر في حياته، وبقية القصة في بعض الروايات جديرة بالشاعر في عبثه وسخريته، فإن خلفا على ما قيل قد استحسن أبيات الرثاء فقال له تلميذه الهازل: يا أبا محرز! مت ولك عندي خير منها، فقال خلف: كأنك قد قصرت؟ قال: لا، ولكن أين باعث الحزن؟

وندع الرثاء وهو معلق بفقيد يموت، وننظر في شعر النسك الذي لا يتوقف النظم فيه على غير الناظم، فإنما كان يطرق هذا الباب، أو يدعه كأنه دور من أدوار التمثيل يأخذ منها ما يأخذ، ويوزع منها بين زملائه ما يحبونه وما يكرهون أن ينافسهم عليه.

قال أبو مخلد الطائي: جاء أبو العتاهية إلى عندي فقال لي: إن أبا نواس لا يخالفك، وقد أحببت أن تسأله ألا يقول في الزهد شيئا، فإني قد تركت له المديح والهجاء والخمر والرقيق وما فيه الشعراء، وللزهد شوقي. فبعثت إلى أبي نواس فجاء إلي وأخذنا في شأننا، وأبو العتاهية لا يشرب النبيذ معنا، فقلت لأبي نواس: إن أبا إسحاق من قد عرفت في جلالته وتقدمه، وقد أحب أنك لا تقول في الزهد شيئا. فوجم أبو نواس عند ذلك وقال: يا أبا مخلد! قطعت علي ما كنت أحب أن أبلغه من هذا، ولقد كنت على عزم أن أقول فيه ما يتوب به كل خليع، وقد فعلت، ولا أخالف أبا إسحاق فيما رغب فيه!

فمعارض الشعر إذن في عرفه وعرف زميله أبي العتاهية أدوار توزع على حسب الحاجة إلى العرض الفني لا على حسب البواعث الصادقة من إلهام السريرة. وليس مما يفوت الناقد في هذه القصة أن أبا العتاهية كان أثيرا عند أبي نواس، وأنه دون غيره من معاصريه كان لديه في مقام التوقير والاستجابة للرجاء، وتلك إحدى العلامات على عصبية الانحراف التي تقرب بين المنحرفين كأنها من وشائج اللحم والدم، وقد كانت هذه العصبية على أشدها بين الشاعرين، وكانت القرابة بينهما في هوس الانحراف أشد من النسب المدخول، ولو كان في المقام متسع للبحث في دخيلة أبي العتاهية لفصلنا هنا أخباره ودلائل أطواره، ولكن قصة واحدة من قصصه تصور لنا هذه الطبيعة المضطربة بين المجون والنسك، فتبدو لنا من بعض جوانبها كأنها ملامح مكبرة مؤكدة من أبي نواس، فهما زميلان في أكثر من زمالة، وهذه القصة ترينا أن أبا نواس كان على حق حين قبل من أبي العتاهية أن يستأثر دونه بالزهديات.

حدث مخارق المغني قال: جاءني أبو العتاهية فقال: عزمت على أن أتزود منك يوما تهبه لي، فمتى تنشط؟ فقلت: متى شئت، فقال: أخاف أن يقطع بي، فقلت: والله لا فعلت وإن طلبني الخليفة، فقال: يكون ذلك في غد. فلما كان من غد باكرني رسوله فجئته فأدخلني بيتا له نظيفا فيه فرش نظيف، ثم دعا بمائدة عليها خبز سميذ وخل وبقل وملح وجدي مشوي، فأكلنا منه، ثم دعا بسمك مشوي فأصبنا منه حتى اكتفينا ثم دعا بحلواء فأصبنا منها وغسلنا أيدينا، وجاءونا بفاكهة وريحان وألوان من الأنبذة، فقال: اختر ما يصلح لك منها، فاخترت وشربت، وصب قدحا ثم قال: غنني في قولي:

أحد قال لي ولم يدر ما بي

فغنيته فشرب قدحا وهو يبكي أحر بكاء، ثم قال: غنني في قولي:

Bog aan la aqoon