قال: «قلت إني رأيت عنده أضعاف ما عندها، وقد شهدت له بسلامة الذوق؛ لأنه قدر هذا الجمال حق قدره.» قال ذلك وهو ينظر إلى الأرض مطرقا من الحياء، فخجلت جلنار وقد غفرت له جرأته في سبيل ما جاءها به من البشرى، وظلت ساكتة، فقالت ريحانة: «دعنا من التلميح وقل صريحا ما الذي قال لك؟»
قال: «قال لي، قال لي. إني لا أذكر كلامه حرفيا، ولكني فهمت منه أن قلبه تعلق بمولاتي، وكان يخشى ألا يكون عندها مثل ما عنده؛ ولهذا السبب كان يظهر الإعراض في أثناء تلك الجلسة بالأمس، لكنه أوصاني وبالغ في التحذير في إظهار ذلك لمولاي الدهقان؛ لغرض في نفسه. وهو سر عميق أزهق روحي قبل إطلاعي عليه.»
فقالت ريحانة: «وما هو ذلك السر؟»
فوجم الضحاك وقطب وجهه كأنه ندم على ما فرط منه، وتراجع نحو الباب، فابتدرته ريحانة قائلة: «ما بالك تتراجع؟ لعلك ندمت على صدق خدمتك؟»
فوقف وتشاغل بإصلاح عمامته، وقد حول وجهه إلى جلنار وجعل ذراعه بين عينيه ووجه ريحانة ، وأشار إلى جلنار بجفنيه وعض على شفته السفلى، ففهمت جلنار أنه لا يريد أن يقول ذلك لريحانة، فابتدرتها قائلة: «دعيه. إني أريد أن أسأله ذلك سرا.»
فرجعت ريحانة إلى مقعدها وسكتت، وساد الصمت المكان لحظة، ثم أدركت ريحانة أن الظرف يستدعي خروجها فخرجت.
فلما خلت جلنار بالضحاك نظرت إلى وجهه مستفهمة، فدنا منها ثم التفت إلى الباب الذي خرجت منه ريحانة؛ ليتأكد من خروجها، وقال: «إني سأبوح لك بسر عاهدني أبو مسلم أن أنقله إليك، وطلب إلي أن تعاهديه على كتمانه عن كل إنسان، فهل تعديني بذلك؟»
فقالت وقد مدت عنقها نحوه: «نعم أعاهدك. قل.»
قال: «هو يحبك يا سيدتي كثيرا، ولكنه عاهد نفسه على ألا يقرب النساء ولا يعقد عقدا حتى يفرغ من مهمته، ويخرج من حربه فائزا بعد أن يهلك أعداءه. فهمت؟»
فأطرقت وهي تفكر فيما ينطوي عليه ذلك القول من مغزى، فلم تفهم مراده تماما فقالت: «أفصح يا رجل. قل كلمة أخرى.»
Bog aan la aqoon