فمشى الضحاك، فتبعه إبراهيم حتى خرجا من الغرفة، فلما استقبلا ضوء القمر التفت إليه الضحاك وقال: «هل يحمل أبو مسلم أهله معه إذا سافر.»
قال: «تعني هل يصحب امرأته في سفره. كلا، إنه يتركها في منزلها وحولها الأرصاد والعيون؛ لأنه شديد الغيرة عليها حتى لا يدع لها سبيلا للخروج من البيت، ولا يدع أحدا يدخل قصره غيره. وفي قصره كوى يطرح لنسائه منها ما يحتجن إليه. وبلغني أنه يوم زفت إليه امرأته بالبرذون الذي ركبته فذبح، وأحرق السرج لئلا يركبه بعدها أحد.»
فقطع الضحاك كلامه قائلا: «تقول (لنسائه) كأنه تزوج عدة نساء.»
قال: «كلا، إنه لم يتزوج اثنتين معا قط ، وهو يكره الزواج ويعده جنونا، ومن أقواله المأثورة: «الزواج جنون، ويكفي الإنسان أن يجن في السنة مرة.»
1
فمن كان هذا في اعتقاده كيف يهتم بالنساء؟! ولكنى أردت بنسائه: اللواتي في قصره من الجواري والمرضعات ونحوهن مما تقتضيه مظاهر الإمارة.»
فلما سمع الضحاك قوله أطرق وكأنه ثاب إلى رشده، وأدرك إبراهيم أن ذلك السؤال لم يكن عبثا، فاستأنس بهدوئه فقال له: «إن أمر هذا الرجل غريب جدا لم أسمع بمثله، ولعل هذه الخلال من أسباب نجاحه؛ لأنه ينقطع عن كل شيء للقيام بدعوته، فتراه لا يضحك ولا يمزح ولا يلهو بشيء قط.»
قال الضحاك: «وصلنا إلى السر. بلغني أنه لما شاهد مولاتي الدهقانة الليلة شغف بها، وأراد أن يتزوجها. ولأن مولاتي المذكورة مخطوبة لأمير آخر، فإذا كان أبو مسلم يريدها لنفسه، فإني قادر على تحويل الخطبة إليه. هذا سر بيني وبينك. فهمت؟»
قال إبراهيم: «لا تخف يا أخي؛ فقد أوسعتني تحذيرا. أما أنه رأى الدهقانة وأحبها، فهذا أمر بعيد. وهو لا يرفع بصره إلى النساء قط؛ لأنه غيور ويعرف قدر الغيرة. أما إذا كان الأمر بخلاف ذلك، فأرجو أن تصرح لي.»
فألقى الضحاك يده على كتف إبراهيم وهو يخفض بصره؛ ليراه؛ لقصره، وقال: «أظنك تعني أن الدهقانة أحبته، وكأنها أحبت الزواج به. فهب أن هذا هو الواقع، فما قولك؟»
Bog aan la aqoon