فضحكت ريحانة من توسعه في تلك المعرفة، ولكنها استغربت قوله إن أبا مسلم لا يعرف أباه، فقالت: «وماذا تعني بقولك إن أبا مسلم لا يعرف أباه؟»
قال: «إذا كنت لا تصدقيني فاسأليه.»
قالت: «صدقتك، ولكنني أسألك عن كيفية ذلك.»
قال: «لو سألته هو عن نسبه ما عرفه. أما أنا فأخبرك أن والده فارسي؛ بعضهم يسميه مسلما، وبعضهم يسميه عثمان، وهو يزعم أن نسبه يتصل ببزرجمهر؛ الحكيم الفارسي المشهور. وهذه عادة كبار القوم عندنا؛ فمن كان منهم دنيء الأصل رفع جاهه إلى طبقات الأشراف، فإذا كان عربيا أوصل نسبه إلى أبي بكر أو عمر أو الحسين، وإذا كان فارسيا جعل نسبه من نسل بزرجمهر أو أزدشير أو كسرى أنوشروان. وأما الذي نعلمه من أمر أبي مسلم فهو أن أباه المذكور كان من أهل قرية ماخوان، التي تبعد عن مرو ثلاثة فراسخ. وكانت هذه القرية له مع عدة قرى، وكان في بعض الأحيان يجلب إلى الكوفة المواشي، ثم أنه ضمن خراج رستان فريدين على عادة الدهاقين في أيام هذه الدولة (بني أمية) فإنهم يقاسمون الحكومة أموالها بنفوذهم. فلما حان وقت الوفاء عجز عن تأدية ما عليه، فقبض عليه العامل وأرسل معه من يذهب به إلى الديوان في الكوفة. وكان عنده جارية يحبها فأخذها معه وهي حامل، واحتال في الطريق وفر من الحرس نحو أذربيجان، وتوجهت معه، فمرا برجل اسمه عيسى بن معقل، فتركها عنده وذهب إلى أذربيجان حيث مات بها.
ثم ولدت الجارية صاحبنا أبا مسلم هذا، فربي في بيت عيسى المذكور وهو يحسب نفسه من أولاده. وكان عيسى هذا وأخوه إدريس في ضمان الخراج أيضا، كما تقدم، فأصابهما ما أصاب ذاك من تأخير الخراج، فقبض عليهما عامل أصبهان وشكاهما إلى أمير العراقين يومئذ خالد القسري، فبعث من حملهما إلى الكوفة وسجنهما فيها. وكانا قد أنفذا أبا مسلم قبل القبض عليهما في مهمة، فلما رجع وعلم بسجنهما جاء إلى الكوفة وجعل يتردد عليهما في السجن.
واتفق في ذلك الحين أن جماعة من النقباء دعاة بني العباس جاءوا إلى الكوفة سرا يدعون الناس إلى أهل هذا البيت، فلقوا أبا مسلم هناك فأعجبهم عقله ومعرفته وكلامه، وعرف هو أمرهم وانضم إليهم، وخرج معهم إلى مكة فأهدوه إلى إبراهيم الإمام هناك، فأعجب به وتوسم فيه الخير. وأقام عند الإمام يخدمه، ثم إن الدعاة عادوا مرة ثانية وطلبوا رجلا يقوم بأمر خراسان، فدفع إليهم أبا مسلم هذا وهو صغير السن، كما ترين، وأوصاه بما أوصاه.
1
فهل يعرف أباه؟»
فاستغربت ريحانة هذه الحكاية، ولكنها عادت إلى المهمة التي هي فيها، فقالت للرجل: «آمنا وصدقنا. والآن لا تخرج عما أحدثك فيه. انظر (ومدت يدها وأخرجت الصرة ودفعتها إليه) هذه هدية من مولاتك جلنار (فتناولها وهو يضحك) وأنا أريد أن أكلفك بمهمة سياسية.»
فوضع الصرة في جيبه وهو يقول: «السمع والطاعة.»
Bog aan la aqoon