فوقفت جلنار تريد الرجوع إلى غرفتها، فأمسكها أبوها وقال: «لا بأس عليك. انتظري حتى نرى من هم القادمون.»
وبعد قليل أقبل رجلان قد تزمل كل منهما بقباء أسود، وتلثم بلثام أسود، ووراءهما رجلان يحملان حزمة طويلة يسندانها من طرفيها على أكتافهما. فلما وصلا إلى مكان الدهقان في القصر، أنزلاها إلى الأرض ووقفا هناك. أما الاثنان الأولان فدخلا دخول الأمراء، وحييا الدهقان بالفارسية. فلما سمع تحيتهما أجفل؛ لأنه سمع صوت رجل يعرفه، فتقدم ذلك الرجل إلى الدهقان - ولم يلتفت إلى ابنته - وسلم. فلما دنا من المصباح صاح الدهقان: «عبد الرحمن.»
فلما سمعت جلنار اسمه اختلج قلبها في صدرها، ونظرت إلى وجهه وهو ملثم فلم تعرفه، ولكنها توسمت خيرا من قصر قامته مع طول صدره وقصر ساقيه؛ فظلت جالسة وهي تنتظر أن يبعد اللثام. فلما سمع الدهقان يرحب به نزع اللثام، فبان من تحته وجه أسمر جميل، نقي البشرة، أحور العينين، عريض الجبهة، حسن اللحية وافرها، طويل الشعر.
1
فلما رأته جلنار علمت للحال أنه عبد الرحمن بن مسلم (وقد سمي بعد ذلك أبا مسلم الخراساني، فنسميه بهذا الاسم منذ الآن) فامتقع لونها لما أصابها من البغتة عند رؤيته على غير انتظار، مع ما في نفسها من حبه.
أما الدهقان، فحالما عرفه رحب به، ودعاه للجلوس فجلس، ثم دعا أبو مسلم رفيقه للجلوس أيضا وهو يقول له بصوت خافت وجأش رابط: «اجلس يا خالد.»
فنظر الدهقان إلى الرجل كأنه لا يعرفه، فقال أبو مسلم: «هذا صديقنا خالد بن برمك.» فبغت الدهقان وقال: «ابن صاحب النوبهار؟»
فأجاب خالد قائلا: «قد انقضت أيام النوبهار، وتخلصنا من عبادة النار؛ إذ هدانا الله بالإسلام.»
قال الدهقان: «صدقت. أهلا بكما ومرحبا.» ثم صفق فجاء بعض الغلمان فأمرهم بإعداد الطعام للضيوف، وتقديم ما تحتاج إليه القافلة من الزاد والعلف.
فاعترضه أبو مسلم بهدوء وسكينة قائلا: «لا تتعب نفسك ولا تشغل رجالك؛ فإننا لا نحتاج إلى شيء من ذلك. ونحن نشكرك لحسن وفادتك.»
Bog aan la aqoon