فأثنى صالح عليه ومشى والخدم في أثره إلى خيمة جلنار وأخبرها بما فعله، وطلب منها أن تسير معه إلى الدار، وأن يبقى الخدم هناك حتى ينقلوا الأمتعة.
فمشت وصالح يشجعها ويمنيها بتحقيق بغيتها على يد أبي سلمة حتى دخل بها الدار، فاستقبلتها الجواري وذهبن بها إلى خالتها، فلما رأتها شيرين ألقت بنفسها عليها وراحت تقبلها وتستنشق ريحها؛ لأنها كانت تحبها كأولادها، فأهاجت تلك القبلات ما في خاطرها من أمر والدها وفرارها، فغلب عليها البكاء ولم تعد تستطيع أن تمسك نفسها حتى خافوا عليها، فجاءت ريحانة وشاركتها البكاء، ولكنها جعلت تخفف عنها بعبارات استدلت منها شيرين على وقوع الفتاة في مصيبة اليتم، فأجلستها إلى جانبها وجعلت تمسح دموعها وتقبلها. وكان أبو سلمة قد سمع الضوضاء وهو مع صالح في غرفة الرجال فتركه ودخل دار النساء، فرأى جلنار على تلك الحال فتأثر قلبه من بكائها، وقد توردت وجنتاها، واحمرت عيناها، وتكسرت أهدابهما، فنادى ريحانة فأتته أيضا وهي تبكي، فسألها عن سبب بكائها، فقالت: «ستسمع ذلك من صالح؛ فإنه هو سبب بقائنا أحياء، ولولاه لكنا مع الأموات.»
فرجع أبو سلمة إلى صالح وعلامات التأثر بادية على وجهه، فأدرك صالح أنه قد آن أن يكاشفه بالأمر، ولكنه كان يخشى أن يكون ظنه في أبي سلمة في غير محله من حيث رغبته في العلويين ونقمته على أبي مسلم، فعزم على استطلاع سره بالحيلة، فلما أقبل أبو سلمة عليه وسأله عن سبب ما شاهده من بكاء تلك الفتاة، قال: «إنها تبكي والدها.»
قال أبو سلمة: «تبكي والدها الدهقان! وما الذي أصابه؟»
قال صالح: «قتلوه.»
قال أبو سلمة: «ومن الذي قتله؟»
قال صالح وهو يتظاهر بالتهيب: «قتله، قتله قائد رجالكم وصاحب دعوتكم.»
قال أبو سلمة: «أبو مسلم؟!»
قال صالح: «نعم يا سيدي.»
فهز رأسه وقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله. ولماذا قتله؟»
Bog aan la aqoon