قال: «كلا، ولست أدري من هو، ولما أردت تأجيل أمره إلى غد قال: إنه يريد مخاطبة أمير المؤمنين في شأن لا يجوز تأجيله لحظة.»
فاهتم مروان بالأمر وقال: «أدخله.»
وكان مروان جالسا على سريره فنهض والتف بالعباءة وتمشى في الغرفة، وظله يتنقل شمالا أو يمينا حسب موقعه من المشمعة القائمة في جانب الغرفة. ولم تمض لحظات قليلة حتى عاد الحاجب وهو يقول: «الرجل بالباب يا مولاي.»
قال: «ليدخل.»
فدخل رجل طويل القامة حاسر الرأس، وقد تجعد شعر رأسه ولحيته وتلبد من الوسخ والإهمال، وعليه قميص طويل يكسوه إلى الركبة، وهو حافي القدمين، عاري الساقين والزندين، والقذارة ظاهرة على يديه وأنامله، وفي وجهه ولحيته، وعلى قميصه، وعلى كل شيء فيه، مع بله يظهر من خلال قذارته. وحين رآه مروان ابتدره بالسؤال عما في نفسه، فقال بلغة التهديد: «ألا تدعوني للجلوس ؟ كأنك تخاف على الطنافس من جلدي! أو غرك ما رأيته من زهدي. إن أولياء الله لا يلبسون الحرير والديباج، ولا يهتمون بالمشط والطيب.»
فلما سمع مروان كلامه هابه، ولم يكن شديد الاعتقاد بالولاية؛ لأنه كان قد تعلم من الجعد بن أدهم مذهبه في خلق القرآن والقدر
3
وغير ذلك، ولكن شدة افتقار المرء إلى الشيء تهون عليه تصديق المستحيل، وتساعده على التصديق رغبته في الحصول على ذلك الشيء، فكان مروان في حاجة إلى من يشير عليه أو يرشده إلى الصواب، فاحتمل جسارة ذلك الرجل ورحب به وأمره بالجلوس، فجلس على طنفسة، وجلس مروان على وسادة تجاهه وأصاخ بسمعه، فرأى الرجل يتمتم بكلام لم يظهر منه لمروان إلا حركة الشفتين، فظنه يصلي فصبر نفسه وهو على أحر من الجمر، فطال جلوس الرجل وطالت صلاته ومروان صابر حتى كاد يضجر، وإذا بالشيخ قد مسح وجهه بيديه واعتدل في مجلسه وقال: «اعلم يا مروان أني جئتك برسالة من عالم الغيب جاءتني في المنام الليلة، وقد أوصاني صاحب الرؤيا أن أبادر بإبلاغك إياها حالا، وأوصيك وصية؛ فهل أنت مصدق لما أقوله لك؟»
قال مروان: «نعم. قل.»
الفصل التاسع والخمسون
Bog aan la aqoon